+ A
A -
إن مراجعة المشهد المتداعي للعالم الإسلامي، ومشرق الوطن العربي على الخصوص، يعطي دلالات واحدة لحجم الكارثة التي تزحف على مجتمعاته وشعوبه، وأن نتائج الحروب لا تزال تهدد ما تبقى منه أما باشتعالها من جديد، أو بتداعيات تأثيرات مصير المناطق المنكوبة. والمراقب لأزمة حاضر العالم الإسلامي والمشرق العربي، يلاحظ الضرورة القصوى لخطي انتاج معرفي وسياسي لمحاولة وقف هذه التداعيات، الأول هو تبصرة الشرق بمتطلبات النهضة، وهذا مسار سيحتاج إلى فترة زمنية طويلة، يجب ألا تقف في انتظار نتائج الحروب والصراعات، وحصد الغرب لواقعها المؤلم.
أما الثاني فهو مهمة عاجلة، بأن تندب لتلك الحروب والنزاعات التي يُرجى اخراج مجتمعاتها منها، أو التي تكاد تنزلق لها هذه المجتمعات، في الشرق الإسلامي، مؤسسة فكرية تعزّز بعمل سياسي مستقل هادئ، من نخبة مفكرين وساسة لأجل هذه المهمة.
إن مناسبة قطر لهذه المهمة كون أن هذا الهدف الفكري الإصلاحي للإنقاذ، يحتاج إلى روح حيوية نوعية، تستثمر سمعة تجربة النهضة والحداثة في قطر، مع الحفاظ على الهوية القومية الإسلامية للدولة، وتعدد مسارات علاقاتها الدبلوماسية والثقافية مع الدول والتيارات والأفكار، وهو ما يُساعد في تحقيق عبور لمعادلة اصلاح اجتماعية وفكرية، على مستوى الشرق الإسلامي بشعوبه وطوائفه ودوله، بحسب الإمكانيات المتاحة.
كما أن هذه المبادرة تتحد مع الهدف القطري، للعبور إلى مساحة تقدم وطني جديد منذ إعادة التأسيس الحديث لدولة قطر، عام 1995، فتطرح المبادرة بمسار فكري وثقافي هادئ وغير صدامي، يحقق رسائل إيجابية لشعوب الشرق، وهم المحيط الإقليمي للدولة وللمشرق والخليج العربي.
وخاصة أن الشرق الإسلامي يعيش حروب تفتيت عسكرية، وثقافية ومذهبية خطيرة، مكنت لمشاريع دولية استثمرت هذه الفوضى لمصالح جيوسياسية وللتدفق المادي لميزانيتها، وأصبح مؤشر التصدع يزحف بصورة مجنونة، وحتى الاحتياطات الاستراتيجية السياسية والعسكرية السريعة لبعض الدول، قد تجد صعوبة في وقف هذا الزحف عليها.
وقديما نادت شخصيات من حركة الإحياء الإسلامي، بمشاريع جامعة تسبقها تسويات وإطفاء لنيران حروب ولثقافة صناعتها المتعددة، ولكن لم تستطع جهود أولئك العلماء والنبلاء والمثقفين في الشرق تحقيق أحلامهم لقلة إمكانياتهم، وإن نجحت بعض مبادراتهم المحدودة.
وهناك مهمة مبادرة الحكماء إعادة تجميع أصوات وأفكار وجهود الشخصيات والقدرات المعاصرة، وتدشينها في مشاريع محددة لمصالحات مذهبية وسياسية واجتماعية وقومية، وفض نزاعاتها عبر مجموعات أدوات تواصل، لمناطق الأحداث وجماعات الصراع المختلفة.
ومن ثم تأهيلها لعقد مصالحة اجتماعية أو سياسية، توقف نزف الدم، وسقوط المستقبل السياسي والاستقرار الاجتماعي لهذه الدول أو الأقاليم.
وليس من قدرات المبادرة إطفاء كل النزاعات، ولكن المقصود محاولة خلق أرضيات لمخارج لها، ووقف دائرة العنف الشرس في أي مساحة ممكنة، والذي صَنعت فيه تقاطع الحروب الغربية وجماعات العنف، بيئة توحش ونزف دموي لا يمكن أن يؤدي إلا لانهيار شامل، ومن أحيى نفسا فكأنما أحيى الناس جميعا.
ويساعد في ذلك وجود مؤسسات كبرى في قطر، تؤثر اليوم في الرأي العام العربي والمسلم، بطريقة مباشرة وغير مباشرة:
1 - شبكة الجزيرة بكل وفروعها.
2 - المركز العربي للدراسات وفروعه.
3 - المؤتمرات الحوارية لوزارة الخارجية.
4 - مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، قطر فاونديشن.
5 - الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بوجود رمزه سماحة العلامة القرضاوي.
6 - تنسيقية كل مؤسسات قطر الخيرية.
7 - BEIN شبكة القنوات الرياضية والاجتماعية العالمية.
هذه المؤسسات المؤثرة وغيرها، على تفاوت مستوياتها وتخصصاتها، شريك مهم حين تنسق حقول أرضية المشاريع المحتاجة لمبادرة الحكماء.
ولا يُقصد من ذلك التداخل مع هذه المؤسسات في خططها، وانما شراكة ضمن الاستراتيجية الوطنية، لإمداد المبادرة بما تحتاجه من فقرات معدة جيدا، واستقطاب شخصيات ضمن القوائم الواسعة لضيوف هذه المؤسسات تدمج في حلقات النقاش الأولية، كل مؤسسة فيما يناسبها وبتنسيق دقيق معها.
حين تنضج الأفكار والرؤى سيعود ممثلو هذه المؤسسات الذين سيطلعون، على جدوى صناعة هذه الجسور والمبادرات، وبحث دعمها في موادهم الإعلامية والثقافية وغيرها، بحسب الخطة المشتركة، لمعالجة هذه الأزمة.
وبالتالي يناقش مجلس الأمناء مبادرة الحكماء لفض النزاعات التي يصدر تشكيله برعاية شخصية من صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أزمة كل دولة أو مجتمع مرشح أن تساهم المبادرة في فتح الباب لوقف النزاع فيها برضى أطرافها، وقد يكون تصوّر فاعلية هذا الطرح صعبة، لكن الإيمان بالفكرة والهمّة القطرية سيجعل لها فرصة أمل، مهما صغرت فهي عند الله والأمة عظيمة، حين توقف أي نزاعٍ مستعر يزيد من جحيم الشرق وإنسانه.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
26/01/2017
4453