+ A
A -
كتبتَ مرة على حائط؟ قدتَ سيارتك بسرعة جنونية حتى ثار دخان عجلاتها؟ فتحت حسابًا وهميًا لإزعاج المشاهير والحسابات المعروفة؟ هل افتعلتَ مشاجرة بلا سبب؟ ذهبت للتسوق وشراء الفائض عن الحاجة، أنفقت مالاً يمكنك توظيفه بطريقةٍ أمثل؟ أمضيت الليل كله في حديث فارغ، قطعت ذيل قطة، تحرشت بوافد يعمل تحت شمس الظهيرة، هل فعلت أمورًا حمقاء كهذه لأنك فقط تشعر بالملل؟ الملل ليس قاتلاً يا صديقي. ليس رسالة من الغيب بأنك ستموت قريبًا، أو أنك أصبحت منسيًا، وحيدًا.. معدما من الغاية. وأن عليك أن تقوم بالمشاغبات لتذكرك الحياة. الذعر من الملل ليس شعورا أزمويا، بل مفهوم خاطئ لم يستثن أحدًا. لن تجد أكثر ذعرًا من الملل أكثر من الفلاسفة، الكتاب، المؤلفين، الشعراء والمثقفين أيضًا. يقول الكاتب الاسكتلندي توماس كاريل: «طموحي أن أموت من الإرهاق لا من الملل».. الأديب المصري أحمد خالد توفيق يقول: «يمكن أن تألف كل المشاعر الكريهة ما عدا الملل».. ألدوس هكسلي قال أيضًا: «بإمكان كذبة مثيرة التغطية على حقيقة مملة».. أما ما بعد الذعر، فإن الثقافة العولمية قامت بتكريس الإثارة في مقابل الملل؛ فاجتاحت العالم، واستغلتها القوى الاقتصادية، حتى إن مضغ قطعة شوكولاته قد تكافح مللك الخاص، هكذا ستخبرك الإعلانات التجارية. ملاهي الأطفال، دعوة صديقك للعشاء. كل ما حولك يعزف على وتر الملل، يجعل منه وحشًا لابد أن تقتله بالإثارة، بالكذب، بالوقت المزيف، بالحماقات. ليس هكذا.. ليس هكذا مطلقًا. الملل مؤشر هام، هام جدًا، يخبرك أنك تحوم حول ذاتك، أنك بحاجة لطرق باب جديد، للبحث عن معنى، مفاجأة، غاية، موهبة، تجربة، حب، حياة. ثمة ما يدعوك لاستكشافه، ما يخبرك أن طريقك السائر عليه الآن، بلا غاية، والباب المغلق ليس لك، أن هناك بابًا ما ينتظر طرقاتك، وعوالم بانتظار خطواتك. الملل يخبرك أن موضعك الآن لم يعد موضعك، لتبحث عن مسارات أخرى، مضمار، مجاهل، أغوار، أعماق، معادلات لديك أنت فقط مفتاحها السري. فكّر بالسنوات القادمة، حينما تفقد قواك، وتتبعثر، كم من العمر الجميل ضيعته في مكافحة الملل بالحماقات، كم من الطريق الممتدة أبقيته للمغامرين، وأنت اكتفيت بتمرير الوقت. الملل لا يقتل أحدًا. ما سيقتلك هو الخوف. دع الملل يتسرب إليك، عانقه، أصغِ للرسائل، ابحث عن باب..
بقلم : كوثر الأربش
copy short url   نسخ
26/01/2017
5742