+ A
A -
أشاعت وفَرَضَتت التصريحات التوتيرية المُتتالية بشأن القضية الفلسطينية، والصادرة عن أقطاب وسياسيين في الإدارة الأميركية الجديدة، ومنها مايتعلق بالقدس ونقل السفارة، مناخاتٍ من الإحباط الواسع لدى قطاعات عامة الناس في فلسطين، وفي الإطار العربي والإسلامي المُحيط. حيث دَفَعَت تلك المناخات لظهور حالةٍ من اليأس بشأن إمكانية الوصول العملي لحل الدولتين، بالرغم من أن الجزء الأكبر من المُجتمع الدولي مازال يدعم الحل القائم على أساس إقامة دولة فلسطينية فوق كامل الأرض المحتلة عام 1967 إلى جانب «إسرائيل».
إن تَلَمُس تلك الوقائع الحية الآن، نلتقطها من نتائج استطلاع حديث للرأي جرى في فلسطين مؤخراً، وأجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وقد شَمِلَ المسح (1270) فلسطينياً ضمن العينة العشوائية، وفيه أن ثلثي الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1967 يعتقدون أن التوصل إلى «حل الدولتين» في سياق تسوية مع دولة الإحتلال «إسرائيل» لم يَعُد مُمكناً.
وأشار المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في نتائج الاستطلاع إياه، أن نسبة أولئك الذين فقدوا الثقة في هذا الأمر ارتفعت من (56%) في سبتمبر 2016، إلى (65%) حالياً مع بدايات العام الجديد 2017، مُرجحاً أن سَبَبَ ذلك يعود لتسارع النشاط الاستيطاني الإجلائي التهويدي من جهة، والمواقف الأميركية غير المُبشّرة للإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب من جهة ثانية. بينما يُخَطِّطُ قادة وحكومة نتانياهو لزيادة أعداد المُسْتَوْطِنِين في الضفة الغربية المحتلة من حوالي (750) ألفاً حالياً كما تُشير معظم المصادر، إلى مليون مستوطن سنة 2020.
وفي حقيقة الأمر، إن طريق ومسار حل الدولتين يبدو الآن أبعد من أي فترةٍ سابقة، كما يبدو مُعقّداً على نحوٍ مُتزايد، بسببٍ من استمرار نمو المُستعمرات على نحوٍ غير مسبوق جهة، واستمرار وجود فجواتٍ واسعة بين الطرفين المعنيين من جهة ثانية، وميوعة الطرف الأميركي من جهةٍ ثالثة، وغياب الشرعية والرعاية الدولية المتوزانة وغير المُنحازة من جهةٍ رابعة.
إن تدمير مسار حل الدولتين، يبدأ من السلوك الأميركي الفج، فالولايات المتحدة استخدمت تاريخياً حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن (79) مرة منذ العام 1948، وكانت (71) مرة ضدّ إدانة «إسرائيل» وسلوكها، كما في تغطية سياساتها ونهجها. وقد جاء قول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مؤخراً: «أن المفاوضات المباشرة هي السبيل إلى السلام في المنطقة» وذلك في أول مكالمة هاتفية له مع نتانياهو منذ أن تولى مهماته رئيساً للولايات المتحدة، ودون أن يتطرق لجرائم الاستيطان وسياسات الإحتلال، جاء يَحمِلُ إشاراتٍ واضحة لطبيعة السياسات الأميركية القادمة على الحالة الفلسطينية. فحديث الرئيس دونالد ترامب في مكالمته مع نتانياهو عن المفاوضات المباشرة، جاءت على التو بعد قرار حكومة نتانياهو بناء (566) شقة استيطانية استعمارية جديدة في منطقة القدس، ما يعزّز ضم القدس الشرقية، ويَخلق المزيد من الوقائع التي من شأنها أن تعرقل الوصول إلى حل الدولتين.
لقد كَشَفَ المستور، و»بَقَّ» وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري «البحصات العالقة في حَلقِهِ»، وأخرج ماعنده، وهو على وشك المغادرة مُتحرراً من كل القيود، حين تحدث بفصاحة الصراحة عن سياسات الاستيطان ودورها في تدمير مسار الحل السياسي... وقد أنهى كلامه من خلال قوله أن «على حكومة نتانياهو أن تعلم بان السلالم الموضوعة على الشجرة لتسهيل هبوطها بأمان لن تبقى كذلك أبداً».

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
27/01/2017
3286