+ A
A -
- 1 -
حينما وصل الرئيس السابق بارك أوباما إلى البيت الأبيض في انتخابات 2008، اعتبر ذلك إنجازاً حضارياً حققه المجتمع الأميركي وهو يتجاوز فواصل اللون وإرث الماضي لينتصر لما هو إنساني. نتيجة الانتخابات الأميركية في ذلك الوقت كانت بمثابة انتصار للمجتمع الأميركي قبل أن يكون الانتصار عائداً لأوباما وحزبه الديمقراطي. ومكونات ذلك الانتصار كان مصدرها:
أن الصعود في ذلك المجتمع يتم عبر روافع الكفاءة والتميز لا على التفاضل العرقي والتمايز اللوني.
وأمر آخر مهم اقترن بذلك الانتصار:
هو الدرس الذي قدمه الشعب الأميركي لشعوب العالم في كيفية معاقبة الحاكمين حينما يسيئون لشعوبهم بالسياسات الخرقاء والأفعال الطائشة دون أن يضعوا حساباً ليوم الفصل الانتخابي.
- 2 -
التصويت لأوباما كان في بعضه تصويتاً عقابياً ضد سياسات بوش وحزبه الجمهوري خاصةً سياسته في العراق..وتلك السياسة راح ضحيتها عدد من الزعماء والقيادات. وهي كما قادت صدام حسين نحو مشنقة الصدريين، قادت كذلك عدداً من الزعماء والوزراء نحو مقصلة التاريخ.
حرب العراق أسقطت رئيس وزراء أسبانيا خوسيه ماريا أزنار وخصمت من سنوات توني بلير وأجبرت بورتر جوس مدير المخابرات الأميركية ورامسفيلد وزير الدفاع وكولن باول وزير الخارجية على الاستقالة المذلة.
أولئك استقالوا لعلهم يكونوا فداءً لحزبهم ورئيسهم، ومرشحهم القادم من الهزيمة المهينة التي لم ينجوا منها..!
- 3 -
كل ما قيل سابقاً عقب فوز بارك أوباما بالإمكان مسحه الآن والكتابة من أول سطر:
الانتخابات الأميركية الأخيرة كشفت جوانبَ لم تكن مُضاءة بالقدر الكافي في شخصية الناخب الأميركي.
ترامب خاطب العقل الأميركي الذي أصبح مسكوناً بالهواجس (من الآخر) والراغب في العزلة عن العالم والانغلاق على الذات.
لذا اتخذ شعار (أميركا أولا)، الأميركيون يريدون رئيساً خارجَ النسق القديم، رئيساً مُفاجئاً يصعب التنبؤ بردود فعله، يمنحهم إثارة أفلام الآكشن، وفكاهة مسلسلات الكوميديا، لا يُشبه بوش في غبائه وسماجته ولا أوباما في سلميته وتسامحه!
- 4 -
لا أعرف لماذا فوجئ البعض من القرارات والخطوات التي اتخذها القادم الجديد للبيت الأبيض دونالد ترامب؟!
الرجل ينفذ ما وعد به الناخب الأميركي، هاهو يشرع في الترتيب لبناء الجدار العازل عن المكسيك ويطالب الرئيس المكسيكي انريكي بينا تييتو عبر تويتر بالمشاركة في تكلفة بناء الجدار.
ودون مشاورة أجهزته ومستشاريه القانونيين، ولا حتى الوزراء، شرع ترامب في صياغة أوامر تنفيذية تقلص عدد اللاجئين المسموح لهم بإعادة التوطين في الولايات المتحدة.
ومنع اللاجئين السوريين من الدخول نهائياً وعلق إصدار جميع التأشيرات لعدد من الدول.
- 5 -
ترامب بدأ في إشعال وتأجيج نيران النزاع في عدة مناطق مهمة في العالم في مقدمتها فلسطين وهو يدفع نتانياهو لنقل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس.
ترامب ودون مشاورة روسيا وتركيا أعلن عزمه إقامة مناطق آمنة في سوريا لحماية اللاجئين.
والمعروف أن فرض حظر طيران فوق مناطق سورية يتطلب وجوداً عسكريا أميركياً كبيراً.
إذا كان أهم نجاحات أوباما سحب القوات الأميركية من عدة جبهات، فترامب يسير على النقيض من هذا التوجه وهو يهدد بالقضاء على الحركات المتطرفة في أنحاء العالم.
وقبل شهر من الآن أشعل ترامب سباق التسلح مع روسيا والصين حينما كتب داعياً عبر تويتر إلى توسيع القدرات النووية الأميركية.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
29/01/2017
4261