+ A
A -
ظلت الأحزاب اليسارية والقومية في تونس تصر على مواقفها الداعمة للنظام السوري، وبعيدا عن التبريرات الإيديولوجية التي تقدمها هذه الأحزاب من أجل منح مواقفها مشروعية مفترضة فمن الصعب فهم كيف يمكن لقوى تستفيد من الوضع الديمقراطي في تونس وتتمتع بمزايا نظام الحقوق والحريات كما يتجسد في حق التعبير والتحزب والدخول إلى المجلس النيابي وفي المقابل تستكثر على الشعب السوري حقه في المطالبة بتغيير نظامه أو إقرار نظام يعترف بالحد الأدنى من الحريات.
وهي مفارقة غريبة تجد تفسيرها في جانبين: فمن ناحية لا تؤمن هذه الأحزاب بالعمل الديمقراطي بصورة مبدئية وإنما تتعامل معه بشكل وظيفي مصلحي حيث ترى أن المشهد السياسي يسمح لها بالتحرك وتحقيق أهدافها وهي تسعى لاستغلال هذه المساحات إلى أقصى درجة، ففكرة الديمقراطية ظلت غريبة عن أدبيات اليسار وعن ممارساته وهو أمر اعترف به بعض رموز اليسار أنفسهم حيث يؤكد محمد الكيلاني زعيم الحزب الاشتراكي أن اليسار «مازال إيديولوجيا أكثر منه سياسيا.. وأن الديمقراطية في منظومته الفكرية بصفة عامة وأساسية مازالت محدودة بحيث أنه ميال إلى نفي الآخر وكل من يخالفه الرأي لذلك تتجلى هذه الميزة في العنف اللفظي والتشنج الذي تتعامل أغلب المكونات به مع بعضها البعض» ويضيف انه «لا مخرج لليسار سوى التباين مع هاته العقلية ودخول مدرسة الديمقراطية من بابها العريض والتواضع والقبول بالعودة إلى المدارس الابتدائية لتلقي الدروس الأولى للعمل السياسي» حوار منشور في جريدة الشروق التونسية بتاريخ 23 جوان 2011.
ومن ناحية ثانية لا تجد بعض القوى اليسارية والقومية غضاضة في دعم أنظمة استبدادية وتبرير سلوكها القمعي والغاية هي التخلص من خصومهم الإيديولوجيين، ولذلك لم يكن غريبا أن تؤيد الجبهة الشعبية في تونس ما جرى في مصر من انقلاب على المسار الديمقراطي وإطاحة الرئيس الشرعي أو انحيازهم غير المشروط لنظام بشار الأسد واعتباره حاكما شرعيا «مقاوما» يدافع عن الوطنن وإذا كان هذا الموقف يتعلق بقضايا خارجية غير انه في الواقع موجه إلى قوى الداخل في تونس وتحديدا لخصومهم السياسيين، حيث يعتقد اليسار أن خصومهم من التيار الإسلامي هم مجرد طارئين على الساحة السياسية، وبالتالي لا يعترفون بحقهم في النشاط السياسي.. فما بالك أن يتمكن هؤلاء من الوصول إلى السلطة؟! ومن المعروف تاريخيا أن الكثير من رموز ما يمكن تسميته باليسار الثقافي قد لعبوا دورا جوهريا في تبرير استبداد النظام السابق وخصوصا في ما يتعلق بسحقه للإسلاميين وهو ما شاركت أيضا فصائل يسارية في إعطائه الغطاء السياسي ويؤكد عبد الحميد الأرقش احد الوجوه اليسارية المعروفة هذا التوجه بقوله «إن فئات واسعة من اليسار صمتت على ذلك القمع وكأنها قبلت أن تقوم الدولة القمعية بدور السد أمام تصاعد المد الإسلامي» (الشروق التونسية 11 مارس 2011).
ليس غريبا أن يتبنى اليسار التونسي كل هذا المنطق الانقلابي وان يرفض العملية الديمقراطية برمتها وان يتحول إلى داعم لأي قوة استبدادية قد تسطو على الحكم شريطة أن تفتك بخصومه الإيديولوجيين وأن تقصيهم من المشهد تحت يافطات حداثية مزورة ورايات إيديولوجية مفعمة بروح الانتقام ومنطق الثأر الأسود، هذا اليسار الذي لم يدرك إلى الآن انه لم يكن في كل الصراعات بين الشعوب وأنظمة الاستبداد سوى مخلب قط وممسحة يبرر به الطغاة استبدادهم، ألم يدفع اليسار الجزائري باهظا ثمن انحيازه للعسكر وتبريره للانقلاب على المسار الديمقراطي لينتهي به المطاف للتلاشي والاندثار؟ إن لعبة الكراسي التي يلعبها فئات من اليسار التونسي اليوم ورغبته المجنونة في الوصول إلى السلطة على حساب خيارات الشعب لن تفضي به في خاتمة الطريق إلا إلى نهاية دراماتيكية فالأحزاب والتيارات والجماعات السياسية أيضا لها اجلها وإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
31/01/2017
5093