+ A
A -
سأل صحفي بريطاني رئيس جمهورية رواندا بول كاغام: هل صحيح أنك مسؤول عن مقتل 25 ألف شخص في عمليات الانتقام العنصري التي تعرضت لها بلادك؟
أجاب الرئيس الرواندي: ولماذا لا تسأل عن عدد الذين لم نقتلهم؟
هذا الحوار ورد في كتاب جديد عن التحولات الجديدة في إفريقيا وعنوانه «إفريقيا الجديدة.. تتحرر»! والكاتب هو كبير مراسلي مجلة «تايم» الأميركية في القارة الافريقية ألكس بار.
يبرر الرئيس الافريقي جوابه المثير للدهشة بقوله: لقد كان هناك الآلاف من المقاتلين المسلحين الذين فقدوا عائلاتهم في الحرب العنصرية، وفقدوا كذلك بيوتهم وممتلكاتهم، ولكنهم لم يفقدوا أسلحتهم، ولا رغبتهم في الانتقام؛ الأمر الذي كان يمكن أن يؤدي إلى سلسلة جديدة من المذابح في رواندا!
ومن المعروف عن الرئيس بول غاغام انه تولى قيادة بلاده منذ عام 1994 عندما سيطرت قبيلته على الحكم.. ومن ثم تولى رئاسة الدولة رسمياً منذ عام 2000 ولا يزال مستمراً حتى اليوم.
صورة مأساوية ثانية يرويها الكتاب، ولكن هذه المرة من الصومال. يسجل الصحفي حديثاً مع أم صومالية تحتضن طفلها الصغير الذي كان يموت من الجوع، وهي تقف وسط الأنقاض في حي شعبي في مدينة مقديشو (او ما تبقى منها). يبحث الصحفي عن سبب عدم وصول المساعدات الغذائية الدولية لشعب الصومال المنكوب مما تسبب في وقع المجاعة، فيأتيه الجواب الرسمي الدولي التالي:
لقد فرض حظر دولي على توصيل المساعدات الغذائية من أجل اثارة غضب الناس وتفجير نقمتهم ضد حركة الشباب الإرهابية. وبالتالي للضغط على الحركة وعلى قادتها ولإضعافها بتجريدها من أي عطف شعبي!
ولكن هل يكون الضغط على الإرهابيين بتعريض الأبرياء إلى المجاعة؟ ومتى كان الإرهابي يحسب للبريء أي حساب؟ ما حدث في الصومال، حدث في سوريا أيضاً، ولكن هذه المرة بقرار محلي جعل من أهالي قرية مضايا في الريف الغربي من دمشق، أداة للابتزاز السياسي عن طريق التجويع.
صورة ثالثة لا تقل إيلاماً ينقلها الكاتب الصحفي في كتابه ولكن هذه المرة من جنوب السودان، فيصف حياة عناصر قوات الأمم داخل معسكراتها المغلقة والمكيفة. ويروي كيف أن الجنود الدوليين داخل حرم المعسكر يمارسون الرياضة اليومية ويستمتعون بالحفلات الموسيقية وبالولائم العامرة.. ولكن خلف اسوار المعسكر مباشرة تقوم الجرافات بجمع أكوام جثث اللاجئين الذين يموتون من شدة الجوع.. أو من جراء تعرضهم لقذائف تطلقها عليهم قوات قبلية معارضة!
وينقل الكاتب عن الأهالي المنكوبين كيف انهم كانوا يتعرضون لاجتياح قبائل مسلحة تنهش فيهم وبأطفالهم تذبيحاً وتقتيلاً رغم ان مخيماتهم لا تبعد سوى مئات الأمتار عن معسكر الأمم المتحدة.
وتعيد هذه الصورة إلى الأذهان الحادث المفجع الذي تعرض له المسلمون في مدينة سيبرينتشا البوسنية أثناء الحرب الأهلية. فقد لجأ المسلمون إلى مصنع محلي لإنتاج البطاريات الكهربائية كانت تشغله قوات هولندية تابعة للأمم المتحدة. ولكن هذه القوات طلبت من المسلمين المذعورين الذين كانت تطاردهم الميليشيات الصربية الخروج من المصنع بعد أن ضمنوا لهم الأمان، فإذا بالميليشيات وعلى مرأى من قوات الأمم المتحدة، تبيد المسلمين عن بكرة ابيهم (أكثر من تسعة آلاف إنسان) حيث دفنوا في مقبرة جماعية تقع مقابل المصنع!
وفي دولة افريقيا الوسطى حيث أدى الصراع الطائفي بين المسلمين والمسيحيين إلى سقوط آلاف الضحايا، تولت قوات دولية حفظ الأمن.. ولكن ثبت أن من بين عناصر هذه القوات من لم يتمكن من حفظ الأمانة. فقد قام عدد منهم بالاعتداء الجنسي على مجموعة من الفتيات القاصرات كنّ يبحثن عن ملجأ آمن يقيهن شر المتقاتلين!
إن كل الحروب بين الدول وداخل الدولة الواحدة عرفت أشكالاً من هذه الوحشية الجنسية. حتى إن ألمانيا بعد احتلالها اثر الحرب العالمية الثانية عرفت أوسع عمليات الاغتصاب. وقام جيل جديد من «الألمان السود» الذين يتحدرون من آباء أميركيين سود، ولكن معظمهم لم يستطع أن يتكيف مع المجتمع الألماني بعد الحرب فآثروا الهجرة إلى الولايات المتحدة والبقاء فيها.. وهو ما عرفته أخيراً حرب البوسنة أيضاً.
ولكن عندما لا يكون المرتكب جندياً غازياً أو مقاتلاً منتقماً ولكن من اصحاب القبعات الزرق، أي من العاملين على تحقيق السلام، فإن الجريمة تكون مضاعفة!
ففي جنوب لبنان مثلاً حيث تتواجد قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة منذ عام 2006، لم تسجل أي عملية اغتصاب. ولكن سجلت عشرات عمليات الزواج المختلط بين جنود دوليين وفتيات لبنانيات.

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
02/02/2017
7042