+ A
A -
لم تكن بدايات إدارة ترامب في جانب السياسة الخارجية غريـبة عما تعود عليه الأميركان خلال الأيام المائة الأولى من كل إدارة جديدة لكن الغريب حقا هو استـقبال الإعلام الليـبرالي العربي للإدارة الأميركية الجديدة وحفاوته بكل ما تـقول وتـفعل سواء كان ذلك لصالح بلدانهم وأمتهم أم في غير صالحها! المشكلة أن عتاة الإعلاميين الأميركيين كانوا حذرين جدا من تـفسير أي موقف أو البناء عليه للتأكد من أبعاده ومغازيه لكن الاعلام الليـبرالي العربي طار في العجة ويريد من الناس أن تطير معه بل يدعو العرب بلا خجل للاصطفاف مع الرؤية الترامبية بدون أن يفهموها أو يعرفوا غاياتها ونهاياتها!
دشن بعض الإعلاميين العرب المعروفين في تويتر وسما (هاشتاق) تحت شعار #TRUMPWARNSIRANIANTERRORISM أو (ترامب يحذر الإرهاب الإيراني) وكتب تحته ثلة من الإعلاميين عبارات متـناسقة ومدروسة مثل «غردوا تحت هذا الهاشتاق بالإنجليزي لشكر ترامب على مواجهته للإرهاب الإيراني»! وعبارة أخرى مثل «ترامب داخل حامي على إيران شاركونا في هذا الهاشتاق لتـشجيع سياسته الحازمة مع تلك العصابة التي تهدد الخليج»! ومشاركة أخرى مثل «بداية قوية للرئيس ترامب مبشرة بكسر شوكة إيران الإرهابية» الخ!! وغيرها كثير، لكن الفائدة قليلة!
بعض العناوين الصحفية التي ظهرت قبل أو بعد هذا الوسم (الهاشتاق) الغريب كانت هي الأخرى غريبة مثل «ترامب يحطم مخططات إيران ويشل أذنابها في المنطقة»!! ولا أدري كيف حققت إدارة ترامب كل هذه الانتصارات ضد إيران في غفلة من العالم ما عدا الإعلام العربي المريض! المقالات الصحفية التي حرصت على نـشرها وسائل الإعلام العربية ذات التوجهات الغريبة حملت كلها أطنانا من الكذب والشعوذة والفجور وكل مقال تقريـبا انـقسم إلى قسمين: قسم يمدح ترامب وإدارته إلى درجة يتمنى فيها جرير بن الخطفي أن يدلو بدلوه معهم! وقسم يهجو أوباما وإدارته إلى درجة إن الحطيئة أصبح قزما أمامهم! قبل أشهر قليلة كانوا يقدسون أوباما ويجعلونه معصوما!
الأغرب من كل ذلك مقال نـشر في أحد أهم الصحف العربية ردد من خلاله الكاتب اللبناني راجح خوري سخافات مكررة لا أكاد أصدق أن صحيفة عربية محترمة تـنـشرها في عصر النت وتويتر وقوقل باشا! هل يُعقل أن صحيفة عربية شبه رسمية (يٌدفع عليها تكاليف تحرير واخراج ومونـتاج وطباعة) تـنـشر تلميحات واضحة تدعي من خلالها نجاح الإخوان المسلمين في اخـتراق إدارة أوباما وفـشلهم في اخـتراق إدارة ترامب، هكذا! إلى أين يذهب بنا الإعلام الليبرالي العربي المهووس بالإخوان المسلمين!
نعود إلى الوسم «ترامب يحذر الإرهاب الإيراني»! وجوقة الإعلاميين المطبلين العرب الذين أطلقوه وتلقوا من وراءه كمية خرافية من النـقد والسخرية والاستهزاء لكنهم كما يقال «في آذن طين وفي آذن دونات»! الوسم السخيف طرح أسئلة حارقة في الأوساط العربية تهز «ثـقة القارئ العربي» بالإعلام العربي والتي وصلت إلى مائة درجة تحت الصفر! كيف لا؟ وبعض من كبار الكتاب والمحللين ورؤساء التحرير العرب انـجرفوا في هذا الوسم نحو تمجـيد ترامب وإدارته بطريقة الشعراء العرب الذين يقولون ما لا يفعلون في مجلس الخليفة الذي يصدق ما لا يمكن تصديقه! هل هذا طريقة سليمة لمناقـشة قرارات وعلاقات سياسية بين أطراف دولية؟ بل هل هذه طريقة للتـفاهم مع الإدارة الأميركية الجديدة أو حتى مع السياسي الأميركي المحترف؟ للآسف، عاد بعض الكتاب العرب ليكونوا مجرد مدّاحين كذّابين على أسوار البـيت الأبـيض!
بدايات إدارة ترامب ولدت عددا من القرارات التنفيذية التي اغضبت الرأي العام الأميركي خاصة قرار منع رعايا سبع دول إسلامية من دخول أميركا وأنبرت المحاكم لمقاومة قراراته وتحركت الجموع في الشوارع الأميركية لفرض رأيها! في الجانب الإعلامي، فـتح الإعلام الأميركي نار جهنم على ترامب وإدارته ورافقه عدد كبير من قادة الأوساط الثـقافية والفـنية والأكاديمية، فهل يحاول الإعلام الليبرالي العربي الكسول تـقديم «الفزعة» لترامب وإدارته بهذا الوسم التافه، ليتهم من وسمهم سالمين!
الحقيقة هي أن ترامب لم يفعل أمرا ذا قيمة لمواجهة إيران وكل ما تم كان مجرد كلام وتصريحات صحفية لا تـختلف كثيرا عن تصريحاته أثـناء الانـتخابات وقد تراجع عن الكثير منها. حتى العقوبات الاقتصادية لن تـقدم أو تؤخر فقد تعلم السياسي الإيراني ومعه السياسي الأميركي كيف يتـقاطعان نهارا وينامان في سرير واحد ليلا! ولا يظهر في الأفق القريب إرهاصات مواجهة عسكرية حاسمة بين الطرفين ولا حتى مواجهة سياسية لذلك يكون من المستـغرب حقا أن يطلق بعض الإعلاميين العرب هذا الوسم ويتحمسون لنـشره بهذه الطريقة السخيفة وكذلك من المستـغرب ظهور هذا اللغة التي تبشر بهزيمة إيران هزيمة شـنيعة وانـتصار العرب والأميركان معهم انـتصارا قدساويا وليس في الجو ثمة غبار!!
بقلم: د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
14/02/2017
4415