+ A
A -
لم يكن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلق بمنع مواطني سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة حدثا عارضا في التاريخ الأميركي فهو يشكل في جانب منه امتدادا لسياسة التوجس من الآخر وشيطنته والتعامل معه بوصفه مشروعا ممكنا لإرهابي دموي يهدد الأمن الأميركي. فقد سبق للسياسات الرسمية الأميركية أن تعاملت مع الآخر بوصفه خطرا محتملا ولم يكن يتعلق الأمر دوما بالمنتمين للهوية الإسلامية فأثناء الحرب العالمية الثانية وبداية من مارس 1942 صدر قرار بحجز كل ذوي الأصول اليابانية في معسكرات اعتقال جماعية وتزامن ذلك مع حملة دعائية ضخمة لتشويه الثقافة اليابانية وتصويرها باعتبارها مصدرا للشر ونموذجا للبربرية.
وأثناء الحرب الباردة تحول العداء نحو الكتلة الشيوعية وتم تصنيف السوفيات باعتبارهم رموزا للإرهاب الدموي الأحمر.
وبما أن العقل السياسي الأميركي المتشكل في المؤسسة الرسمية خاصة في تمظهراتها اليمينية يبحث دوما عن أعداء محتملين فقد تم ترشيح العرب والمسلمين بوصفهم الخطر القادم، وقد بدأ التنظير لمثل هذه التوجهات قبل ظهور مصطلح ما يُسمى غربيا «الإرهاب الإسلامي» حيث صدرت كتابات فرنسيس فوكوياما وصامويل هنتنجتون لتبشر بعصر جديد من صدام الحضارات وكانت الحضارة العربية الإسلامية هي الاختيار المفضل لصراع ممكن مع الحضارة الغربية رغم أن المصطلح يفتقر إلى الدقة. فالحضارة الغربية ليست واحدة ولا متماثلة ولا يمكن حشرها جميعها في زاوية المعتدي كما لا يمكن تعميم وصف الإرهاب على حضارة عريقة مثل الحضارة العربية الإسلامية. ولم يكن التلاعب اللفظي الذي قام به منظّرو صراع الثقافات سوى تبرير لرغبة الهيمنة الثاوية لدى دعاة صراع الحضارات، فقد ظل هذا التصور يُحمّل الآخر المختلف (وتحديدا الحضارة العربية الإسلامية) مسؤولية كل مصائب العالم بوصفه تجسيدا للشر المحض. ويرى أن الأسباب الداعية لاندلاع هذا الصراع تكمن في عوامل متعددة أهمها كما يقول هنتنجتون «الشعور المتفاقم الذي يتملك شعوب ومجتمعات العالم الإسلامي والعربي الذي يمتزج فيه الغضب والاستياء والحسد والعداء تجاه ثقافة الغرب وثروته وقوته» وهذا التصور المليء بالشحن العنصري والعداء يُهمل العوامل الحقيقية للصراعات القائمة في المنطقة العربية الإسلامية وأسباب العداء الذي تبديه الشعوب للنموذج الأميركي. ويصل هذا المنطق العدواني إلى حد تبرير رفض التعددية الثقافية والإثنية في المجتمعات الغربية ذاتها وهو أمر يتجلى في الموقف من المهاجرين القادمين من المكسيك أو حتى الأقليات غير المسلمة المقيمة بالولايات المتحدة.
إن هذا المنطق القائم على صراع مفترض بين الثقافات إنما يمثل وصفة لتبرير صراعات عالمية قائمة بالفعل تتأسس في جوهرها على أسباب اقتصادية وسياسية وأن العوامل الثقافية والحضارية على أهميتها إنما تأتي لمنح هذه الصراعات الحادة والوحشية أحيانا غلالة رقيقة من التبريرات القابلة للتسويق لدى عموم الناس.
على أن هذا لا يمنع من القول إن هذا التوجه الذي يتبناه الرئيس الأميركي الجديد لا يلقى قبولا لدى كل الأوساط الأميركية فالقوى الديمقراطية الحقيقية والمنادية بالتعايش ترفض الانسياق وراء منطق الصراع وهو أمر تجلى في رفض محكمة الاستئناف الفيدرالية إعادة العمل بقرار حظر السفر على مواطني الدول التي شملها هذا القرار.
إن محاولة استعادة خطاب الكراهية والتمييز لن يكون في صالح الولايات المتحدة ذاتها بقدر ما سيخلق مزيدا من الانقسامات ويؤجج أشكالا أخرى من الصراعات ويمكن أن نختم في هذا الإطار بما قاله الفيلسوف الراحل تزيفتان تودوروف (بوصفه مواطنا غربيا) في كتابه «الخوف من البرابرة» من «أن الخوف من البرابرة هو الذي يُخشى أن يحولنا إلى برابرة، والسوء الذي نتسبب به لأنفسنا سيتخطى السوء الذي كنا نخشاه في الأساس. إن التاريخ يعلمنا ذلك: يمكن للدواء أن يكون أسوأ من الداء».
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
21/02/2017
4342