+ A
A -
تتصارع في الشرق الأوسط –وعلى الشرق الأوسط- ثلاثة مشاريع: هناك أولاً المشروع الصهيوني: وهو يستهدف اسقاط فكرة الدولتين ( اسرائيل وفلسطين) وتوسيع الاحتلال الاستيطاني في الضفة الغربية تمهيداً لإعلان اسرائيل الكبرى بعد اكمال عملية تهويد القدس. وهناك ثانياً المشروع الإيراني: وهو مشروع يستهدف استتباع عدد من دول المنطقة العربية تحت المظلة الدينية (ولاية الفقيه) بحيث تصبح هذه الدول وخاصة سورية والعراق، جزءاً من هذا المشروع ( الهلال الشيعي).
وهناك ثالثاً المشروع التركي: الذي يقوم على أساس مبدأ اعادة إحياء العثمانية وامتداداتها جنوباً في دول «الهلال الخصيب» الذي يشمل أساساً وبصورة خاصة كذلك سورية والعراق.
تلتقي هذه المشاريع الثلاثة حول مبدأ واحد. وهو تجاهل وجود أي مشروع عربي. ذلك ان وجود مثل هذا المشروع يشكل سداً في وجه كل من المشاريع الثلاثة، بل انه يشكل قوة الغائية لها. من هنا التساؤل: اين هو المشروع العربي؟
قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال لا بد من الاشارة إلى ان التنافس – بل الصراع- على المنطقة العربية بين تركيا وإيران ليس جديداً. كان قائماً عندما كانت تركيا جزءاً من الامبراطورية البيزنطية –أي قبل الإسلام-. وكان الصراع مع إيران صراعاً عسكرياً وعقائدياً استمر لعقود طويلة. وكان العراق وسورية تحديداً مسرحاً لهذا الصراع. ثم تواصل بعد دخول الإسلام إلى تركيا وإيران، واصبح صراعاً بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية.
وشهدت سورية والعراق معارك دموية لهذا الصراع، ولم يقلل من شدته اعتناق الدولتين للإسلام، ولكنه استمر تحت مظلة المذهبية بين السنية التركية والشيعية الإيرانية. وعندما كان الفرس يحرزون انتصاراً ويتقدمون في بلاد ما بين النهرين، كانوا يفتكون بالعشائر الإسلامية السنية. وعندما كانوا يتقهقرون ويتقدم الأتراك، كان هؤلاء ينتقمون من العشائر الإسلامية الشيعية.
المستفيد الوحيد من صراع المشروعين التركي – الإيراني، هو المشروع الاسرائيلي الصهيوني. يعزز من فرص الاستفادة هذه، غياب المشروع العربي، وانشغال الدول العربية في مواجهة مخططات التقسيم والتفتيت التي يتعرض لها بعض دولها في المشرق وفي المغرب على حد سواء.
غير ان ثمة عاملين يقرّبان بين طهران وأنقرة بالإضافة إلى العامل الاقتصادي. يتمثل العامل الأول في الرفض المشترك لقيام كيان وطني كردي مستقل عنهما. فالأكراد منتشرون في شمال غرب إيران وفي جنوب شرق تركيا. كما انهم متواجدون في شمال كل من العراق وسورية.
غير ان اللعب بخريطة المنطقة ما كان يوماً مهمة دول المنطقة. فمنذ سايكس – بيكو 1916 الإنجليزي – الفرنسي، والخريطة المركبة في الشرق الأوسط تهتز باستمرار، تارة على خلفية صراع عنصري، وتارة اخرى على خلفية صراع ديني أو مذهبي.
حتى الخطر الذي تمثله اسرائيل والذي يهدد كل دول المنطقة لم يلعب سوى دور ثانوي ومؤقت في توحيد هذه الدول ( ميثاق الدفاع العربي).
من هنا استقواء اسرائيل ليس فقط بالقوة الذاتية –التفوق العسكري المدعوم بالقوة النووية- ولا حتى بالقوة الأميركية المساندة سياسياً وعسكرياً، ولكنه استقواء بالضعف العربي من جهة، وبالتنافس الإيراني – التركي من جهة ثانية.
اما العامل الثاني الذي يقرّب بين طهران وأنقرة فهو الخطر المتمثل في الحركة الداعشية بما تمثله من تطرف وغلو وبما تمارسه من عنف وإرهاب. غير ان كلاّ من إيران وتركيا تتبادلان الاتهامات بأن الحرب التي شنتها كل منهما ضد هذا التنظيم الإرهابي هدفها القضاء عليه لوراثته والحلول مكانه. ذلك ان من مساوئ وجود هذا التنظيم انه يشكل مبررا للتدخل الإيراني والتركي، وهو تدخل يتواصل على خلفية المشروعين الفارسي والعثماني اللذين تطمح كل من أنقرة وطهران في فرضه على المنطقة.
غير ان مشاريع من هذا النوع لا يمكن أن تبصر النور بمعزل عن قوة دولية فاعلة ومؤثرة كالولايات المتحدة مثلاً. في القرن الماضي قامت بهذه المهمة فرنسا وبريطانيا. في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة في عزلة اختيارية. وكانت روسيا غارقة في وحول الثورة البولشفية.
اما الآن فهناك دونالد ترامب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الذي يصعب التكهن بتحولات مواقفه. الا ان الثابت الوحيد في سياسته هو تأييده لاسرائيل، وقراره بنقل مقر السفارة الأميركية إلى القدس. وهناك فلاديمير بوتين الرئيس «الدائم» للاتحاد الروسي الذي يحسن اللعب على حافة الهاوية. ثم ان هناك الاتحاد الأوروبي، وهناك الصين. ويبحث كل منهما عن دور له في توليد شرق أوسط جديد يستجيب لمصالحه.
وهكذا يبدو ان العالم كله مهتم ومعني بمستقبل الشرق الأوسط.. الا الشرق الأوسط فانه ينتظر مكتوف اليدين!!..

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
23/02/2017
5246