+ A
A -
إننا نتعافى ذاتيًا، الجسد البشري معجزة حقيقية، الجروح تندمل، خلايا الجلد تنقسم بسرعة هائلة. الميكروبات تُهاجم، الخلايا المناعية تشلّ آلياتها، هناك خلايا لاهمة أيضًا، خلايا قاتلة، ومواد كيميائية مساندة (نظام السايتوكينات). إنه من المذهل امتلاكنا لكل هذه الدفاعات الداخلية التي تحمينا حتى ونحن نائمين. لكن ماذا عن العلل النفسية، الانكسارات، الأحداث المؤلمة، الحزن والصدمات؟ هل يمكننا التشافي ذاتيًا؟ نعم، يمكن ذلك أيضًا، بتغيير متقن لمنهجية التفكير، يمكن التحرر من الظلام. الذين يطيلون البقاء في قعر الآلام النفسية، هم اصحاب التفكير الفاسد والمشوه. حتى تخرج من الألم والحزن، هناك دائمًا فكرة. فكرة تنتشلك، لأن الألم سؤال مُلِح يفتش عن إجابة ولا يجدها، السؤال بلا إجابة يشبه مكروب يحاول افساد أنسجة الروح، يعطل مهامك وشل طاقتك. هناك ثلاث آليات للتعامل مع الأسئلة الموجعة، خصوصًا التي تنشأ بعد الأحداث الأليمة: أولاً: حوّر السؤال، جدد الأسئلة الصحيحة. مثلاً: بدلاً من «لماذا فقدتُ صديقتي؟» قل: «متى أجد صديقة حقيقية؟». لأن الأصدقاء الحقيقيين لا يرحلون، بهذا أنت غيرت خريطة تفكيرك، أو بالأحرى صححته. السؤال الأول مبني على فكرة خاطئة: الأصدقاء لا يخذلون.. لايخذلون أبدًا. الثاني: التعايش مع الأسئلة التي لا يمكن إجابتها، استحالة الجواب نتيجة تعلقه بالآخر، الآخر الذي يخفي أسبابه، أو يعجز عن شرحها. تلك الأسئلة العالقة والمستحيلة، جوابها مدفون في طيات الراحلين. فقط حاول أن تتكيف مع الاستحالة. هناك الكثير من الأمور المستحيلة، التكيف معها منتهى العقل. ثالثًا: الأسئلة التي تحمل طابع الندم «ماذا لو فعلتُ كذا» «ماذا لو لم يحدث هذا». هذه إحدى الحفر التي ستبتلعك، لأن الماضي لا يتغير، الكلام الذي قيل لايمكن إعادته للحنجرة، الميتون لا يعودون، الأفعال النزقة والغاضبة لا يمكن شطبها، نحن بشر خطاء، خطاء جدًا، الحيوانات لا تخطىء كما يخطىء البشر. لأن الحيوان بحاجة للقليل مما يساعده على العيش في حياة محدودة للغاية. البشر يخطئون لأنهم يمتلكون حياة أكثر عمقًا، شساعة، رحابة وتعدد. إن كان ماحدث في الماضي خطأك أنت، فتعلم منه، إن كان خطأ الآخرين فاغفر، وتعلم أيضًا. «ماذا لو» لن تعلمك شيئًا، إلا المزيد من الأوجاع يا صديقي.

بقلم : كوثر الأربش
copy short url   نسخ
23/02/2017
5814