+ A
A -
القصة الشهيرة التي بطلها جحا ومغزاها «رضا الناس غاية لا تدرك» يعيشها الجميع في أيامنا هذه ويتوفر عليها الكثير من الأمثلة . لبيان المشهد لعل من المناسب التذكير بالقصة، حيث قرر جحا وابنه السفر إلى مدينة مجاورة فركبا على ظهر الحمار فأخذ الناس ينظرون إليهما باستغراب ويقولون انظروا إلى هؤلاء القساة الأب والإبن معا على ظهر الحمار المسكين ، وعندما نزل الإبن وصار يسير على قدميه وظل الأب على ظهر الحمار قالوا انظروا إلى هذا الأب الظالم هو مرتاح على ظهر الحمار ويترك ابنه يسير على قدميه ، وعندما نزل وأركب ابنه مكانه قالوا انظروا إلى هذا الإبن العاق الذي يترك أباه يسير على قدميه بينما هو مرتاح على ظهر الحمار ، وعندما نزل جحا وابنه وظلا يسيران على قدميهما قالوا انظروا إلى هذين الأحمقين يسيران على أقدامهما ولديهما حمار يحتمل أن يركباه معا .
اليوم يترك من اشتعل رأسه شيبا شعره من دون أن يصبغه فيقولون له لماذا لا تصبغه ؟ تبدو وكأنك طاعن في السن ، هذا فلان الأكبر منك بعشر سنوات أو أكثر يصبغ شعره ويبدو أصغر من سنه ويعيش بسبب ذلك بروح الشباب . وعندما يسمع كلامهم ويصبغه يقولون إنه «متشبب» ويبدو أنه لا يدري أنه تقدم في العمر ، وفي وجهه يقولون بقسوة وإن بصيغة المزاح تريد أن تعيش زمانك وزمان غيرك ؟ كان الأولى أن تترك شعرك على طبيعته أوليس الشيب وقاراً ؟
تراودك فكرة أن تغير روتينك اليومي فتلبس قميصا وبنطالا فيبادر البعض بانتقادك وربما السخرية منك ووصفك بأوصاف لا تقبلها ، ويكتفي بعض آخر بالقول إنه كان الأفضل أن تلبس ربطة عنق أو أن الألوان غير متناسقة ، ولعل بعضاً ثالثاً يقول لك إن الأفضل أن تترك الثوب والغترة والعقال فهذا أنسب لك .
هنا مثال ثالث ، فبعد أن تكون قد قطعت شوطا كبيرا في برنامج الريجيم كي تخفض وزنك يقولون لك ألا تلاحظ أنك تبدو وكأنك مريض ؟ ويحرضونك على الأكل .. «كل يبه .. اشفيها الدنيا .. متع نفسك» ، وفي الغالب تستجيب لأنك في الغالب أيضا تبحث عن «علثة» لتتوقف عن الريجيم ، ثم بعد أن تعود لسابق عهدك مع الأكل تعود خارطة جسدك إلى حالها السابق فيأتيك من يعيبك وقد يسخر منك ولا يتردد من حرضك على التوقف عن برنامج الريجيم عن انتقادك ونصحك بالعودة إلى البرنامج نفسه !
هكذا هي الحياة اليوم ، وهكذا هم الناس دائما ، لا يمكنك أن ترضيهم لأن هذا الأمر غاية لا يمكنك أن تدركها ، والمثير أنك لا تملك إلا أن تغير من كل سلوك أو نشاط تقوم به استجابة لكلام الآخرين الذين لن يتوقفوا عن ممارسة الضغوطات نفسها عليك أيا صار سلوكك الجديد أو نشاطك الآخر .
نفس ما حدث لجحا يحدث معك ، فليس بالضرورة أن تستقل حمارك فتركبه أو تسير إلى جانبه لينتقدك الآخرون !.

بقلم : فريد أحمد حسن
copy short url   نسخ
28/02/2017
4580