+ A
A -
لم يتم اختبار العلاقات الأميركية– الأوروبية خلال الثمانين عاماً الماضية (منذ الحرب العالمية الثانية) كما يتم اختبارها الآن تحت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة السيد ترامب. إن سياسة «أميركا أولاً» التي ينادي بها ترامب والتي تعني مراجعة كاملة وشاملة لجميع الشراكات والتحالفات والقواعد والبروتوكولات السياسية والاقتصادية مع أوروبا.
بما فيها «حلف الناتو» حتى تضمن أميركا أن جميع الدول الأوروبية تتحمل أعباء مالية متساوية وأن أميركا لا تتحمل العبء الأكبر- كما يدعي السيد ترامب- من شأنه أن يجعل مفاصل الاتحاد الأوروبي ترتعد، بل إنني أرى أنه لو استمر السيد ترامب في تنفيذ وعوده الانتخابية في ما يخص سياسات الولايات المتحدة الخارجية فهذا يحمل في طياته تهديداً وجودياً للكيان الأوروبي نفسه.
إن سياسة التقارب بين واشنطن وموسكو التي يتبعها السيد ترامب- والتي تّوجها بتصريحه بأنه يثق بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاثنين على حد سواء وبنفس القدر- من شأنها أن تقلل من أهمية ما كان يعتبره الأوروبيون «الخطر المشترك»؛ فإذا تغير الأمر الآن وأصبح بالنسبة للإدارة «الترامبية» لا يوجد فرق بين الاتحاد الأوروبي والكرملين من وجهة النظر الأميركية! فلماذا إذن إنفاق مليارات الدولارات الأميركية في إنشاء منظومة الدفاع المشترك ضد عدو وهمي؟
هذا معناه فصل الأمن الأوروبي عن أمن الولايات المتحدة مما سيخلق مجالاً كبيراً لعدم اليقين وعدم التأكد قد يضطر معه الاتحاد الأوروبي إلى الاستثمار في جيش أوروبي موحد وقد يصل الأمر إلى حد الاستعداد للقنبلة النووية الأوروبية (أو الألمانية) وما يتبعهما من نفقات هائلة كان يمكن استثمارها في مجالات سلمية تعود بالرخاء والرفاهة للشعوب الأوروبية وبخاصة الواقعة تحت أو التي تحاول النهوض من الأزمات الاقتصادية الحادة والخانقة كاليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا وأيرلندا.
هذا ولعل التأثير السلبي الأسوأ الذي يمكن أن تنتجه سياسات الإدارة «الترامبية» في أوروبا هو تشجيع هذه الإدارة للنعرات القومية واليمين المتطرف، بل دعمها كما الحال في بريطانيا الآن للشعبويين الذين يهدفون إلى إحداث تفكك يمكن أن يؤدي إلى انهيار لاتحاد الأوروبي.
ولكن كما الحال مع سياساته الداخلية لا يدرك السيد ترامب أنه كمن يطلق الرصاص على قدميه؛ يجب أن تتذكر إدارة ترامب أن أوروبا هي السوق الأميركية الأكثر أهمية. وأن حجم التجارة الأميركية مع الاتحاد الأوروبي أكبر37 مرة من تلك التي مع روسيا. هذا كما أن الاستثمارات الأميركية المباشرة في أوروبا والأوروبية في أميركا من الضخامة بحيث يستحيل على أية دولة أخرى تعويضها، كما أن ما يربط من علاقات ثقافية واجتماعية بين القارة العجوز والقارة الناشئة هي العامل الأكبر في تأمين وضع أميركا كالقطب الأوحد في العالم الآن وأن أية انحرافات أو حتى شوائب في هذه العلاقات الأوروبية الأميركية من شأنها أن تعجل من انتقال ميزان القوى من الغرب إلى الشرق وستكون أميركا هي الخاسر الأول في هذه الحالة.
ورغم كل ذلك فإن ما يجب على أوروبا فعله الآن هو التعامل بعقلانية وواقعية مع الإدارة الأميركية، وذلك يعني عدم التهوين من شأن التصريحات المقلقة التي يدلي بها السيد ترامب ولكن أيضاً عدم التهويل بشأن آثارها المتوقعة، على أوروبا أن تدرك أن غالبية الأميركيين لم يصوتوا للسيد ترامب وأنه لا يحكم منفرداً ومازالت المؤسسات الأميركية، وخاصة المجتمع المدني والسلطة القضائية، تقاومه وتحاول تصحيح مساره، ومن ثم على الأوروبيين التعامل مع هذه المؤسسات والتعاون معها والعمل على دعمها بصورة أكثر فاعلية؛ لأنه ليس من مصلحة الطرفين أن تقوم أوروبا بقطع الحبل السري بين القارتين بصورة استباقية.
بقلم : د. حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
01/03/2017
4782