+ A
A -
لعل الدلائل الأخيرة تشير إلى أن رفض العقيد حفتر حضور اجتماع القاهرة، مع رئيس حكومة التوافق الوطني الليبية فائز السرّاج كان بسبب ما بلغه من حلفائه، أن إدارة ترامب تعيد تقويم موقفها لصالحه، إضافة للزخم الذي يرى أنه اكتسبه في لقائه الروسي فوق إحدى المدمرات الضخمة، أي أن العقيد حفتر إضافة للدعم الإقليمي العربي، هو في وضع يهيُئُه لمواجهة كل الأطراف الأخرى وفرض حل عسكري حاسم عليهم.
ويُشار هنا إلى أن تونس والمغرب والجزائر كانوا في موقف موحد مع مبادرة الرئيس السبسي الأخيرة، لتحقيق اختراق نوعي في المسار الليبي يضمن المصالحة وإنهاء الحرب الأهلية الشرسة، التي اندلعت بعد نجاح ثورة 17 فبراير في إسقاط نظام القذافي، دون أن تكون قادرة بتركيبتها السياسية والاجتماعية، على تحويل هذا النصر إلى استقرار سياسي يُحقق شراكة سياسية لكل أطياف المجتمع الليبي، وبالتالي تتحقق انتقالة لربيع ليبيا ربما كانت فرصها أفضل من تونس، لولا حسابات الصراع داخل شركاء الثورة، التي استثمرتها التدخلات الخارجية وأشعلت الفصائلية الميدانية بين إسلاميي الثورة وغيرهم، والتي دخلت تحتها صراعات اجتماعية أكثر تعقيدا بين الشرق والغرب الليبي.
غير أن التقاط خيط الوعي السياسي الذي باشره إسلاميو ليبيا، قبل الوصول للمصير السوري، سهّل للدولة الضعيفة إعادة فتح أبواب هذه المصالحات، وبالتالي فحالة التواجد الإسلامي ليست اليوم بتلك الحجة، التي تبرر لحفتر وداعميه رفض المصالحات، بعد قبولهم بإعادة ميزان الشراكة الوطنية، إنما تلويح حفتر وداعميه المستمر بهذه البطاقة بات عاملاً مهماً لصناعة ليبيا جديدة، تتنازع المصالح فيها أطرافا عديدة، شاركت في هذا التداخل خلال ثورة 17 فبراير وبعدها.
هنا وقفت دول الاتحاد المغاربي أمام حقيقة جلية، وهي أنه لا يوجد ما يؤشر إلى أي حسم لدولة مدنية مستقرة في ليبيا، ستتحول لدولة فاشلة تتمركز فيها إعادة تصدير العنف والفوضى لو انهار ما تبقى من سياق سياسي، وخاصة بعد أن نجح التحالف الوطني الإسلامي في هزيمة داعش في سرت، وهي حالة جديدة لو صمدت فستمثل مواجهة ذاتية فريدة لمشاريع السلفية الجهادية التي وظفت ضد الربيع العربي، حتى مع تقاطع معركة سرت مع دعم غربي جوي محدود، ودون أن يأخذ الاتحاد المغاربي بزمام المبادرة، فإن تبعات الفوضى ستصل عمقه لا حدوده وحسب.
إن ترك الميدان لتعنت حفتر ومراهنته على الدعم الدولي الجديد وداعميه العرب، يعني خسارة كل الجهود السياسية التي سعت مختلف الأطراف للوصول عبرها إلى المصالحة، وتمزّق الحالة الليبية هنا، يشير إلى تمزق الثورة السورية، والذي قادها لكارثة كبرى أمام تحالف النظام والروس والإيرانيين، الذي دخل نظام السيسي اليوم كشريك لهم، لإعادة تهيئة النظام لما بعد تصفية الثورة، والفارق في الحالة الليبية هو وجود هيكل سياسي مهما بلغت هشاشته، يمثل حبل الإنقاذ الأخير، والذي من الممكن أن يعاد بناء مشروع انتقالي عليه ينقذ ليبيا وجوارها.
إن تحالف الاتحاد المغاربي عبر المغرب وتونس والجزائر ممكن أن يقوم بتغيير معادلة الحرب، التي لا يدعمها سوى دولتين عربيتين إحداهما لا حدود لها مع ليبيا، ومن ثم صمود هذه المصالحة الاجتماعي السياسي، وتحويل تحالفاتها إلى قوة عسكرية دائمة تندمج في جيش ليبي، والذي سيصحح مساره وهيكلة قياداته بعد المصالحة، وهنا تولد الدولة بقوة عسكرية ومشروع سياسي انتقالي يسمح بالتنافس وحتى الصراع السياسي، لكن فوق دولة لا أرض حرب محروقة.
وهنا الخيار الموضوعي تماما، للإسلاميين والعلمانيين وكل الشعب وقبائله، بغض النظر عن الأيديولوجيات والمواقف من تونس والرئيس السبسي وجوارهم الشقيق، وهو في استمرار رعاية الاتحاد المغاربي للمصالحة، واستثمار علاقاته الغربية ومخاوف الهجرة والجسور مع الخليج العربي، لدعم مشروع المصالحة، وإقناع أطراف الدعم لمشروع الحرب الأهلية الشاملة للعقيد حفتر، وكذلك أي طرف يشجع على انسحاب الإسلاميين من المصالحة بضرورة تصحيح موقفه.
هنا نحسب أن مثل هذه الترويكة المتعددة ستكون المخرج للتحول السياسي للدولة من العنف، وبدء التفكير بإنشاء الدولة المدنية الجامعة لكل أبناء الشعب الليبي، وهي مظلة تسع كل تيارات الوطن الليبي وقبائله، فيما لغة الحرب والتخوين لن تبقي لهم ظلال خيمة في صحراء طبرق.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
02/03/2017
3945