+ A
A -
إني أُسَلِّم أنَّهُ في بعض الأحيان نرتكب في حَقِّ بعضنا الكثير من الأخطاء التي تتماهى بين الغفران وعدمه، ففي البدء نحنُ بشر وفي المنتهى لسنا شياطين وإن تمثّل بعضنا في قُبحِ أسلوبه ومنطقه بإبليس وأتباعه، وما دورُ المُصلحين؛ وكُلنا مصلحٌ في نفسهِ وغيره إلا أن نعين بعضنا البعض على مسالك الخير ونوعّي ذواتنا والعالمين لنواقيس الخطر والمهالك التي تحيطُ بنا ونسير إليها في كثيرٍ من الأحيان ونحنُ ممتلئون بالأفكار والقناعات الخاطئة التي تجُرنا كالسيل إلى مصارع السُوء التي وعدَ الشيطان بها بني آدم في هذه الرحلة الدنيوية.
وما تلكُم إلا تمهيدٌ لمشكلة لاحظتها منذُ أمدٍّ بعيد، وآن لي أن أتحدث عنها في هذا المقال، علّنا نصل من بعد هذه الأطروحة إلى درجة من الوعي التي تُثير فينا جميعًا التغيير نحو الأفضل بإذن الله تعالى، والمشكلة الملاحظة هي في نظرة شريحة كبيرة منا إلى الآخر على أنَّهُ عدوٌ لدود، وأقصد بالآخر هنا جموع المقيمين فالوافدون فالمختليفون عنا في الجنس والعرق والدين، فهم ينظرون إلى كُل هؤلاء الشركاء الحقيقيين في هذا المجتمع الكبير على أنهم أعداء وجحيم لابد من استئصاله ونبذه على الفور، وفي الحقيقة هذا لا ينبع إلا من فكر ضيق جدًا، ومحدود، ومحاصر بالإفلاس، فالبعض يتَّهمهم بأنهم يزاحمون أبناء البلد في رزقهم وحياتهم، وهم يجدون أنَّهُ من الأفضل الاستغناء عنهم بكل بساطة ليسدّوا محلَّهم في مختلف الوظائف والتخصصات والمطالب الوظيفية المختلفة لدولة المؤسسات النامية المتطلعة نحو التقدُّم والازدهار، وفي ذلك حجَّة حمقاء لنتيجة مستحيلة!
إنَّ الحاجة إلى الآخر طبيعية جدًا ومُبررة، فنحنُ لا يمكننا أن نغلق على أنفسنا الأبواب والمنافذ في كونٍ يتفتحُ كل يوم على الآخر، فوجود الآخر ليس اختراقا ولا مزاحمة ولا هو خطة من خطط الاستعمار في شكلها الجديد، ولا هو دعوة تبشيرية ولا تهويدية ولا إلحادية، هو فقط من ضروريات العالمية والكونية، نحنُ بحاجة لهؤلاء وهم بحاجة لنا في المقابل، نحن وبكل تجرد ما زلنا نفتقر لعددٍ مهمول من المهارات والخبرات والقدرات التي نحتاجها ويحتاجها نماؤنا وازدهارنا، وهم كذلك بحاجة إلى تلكُم الفرصة المالية المميزة فأوطاننا عامل جذب لهؤلاء، والفرص الوظيفية فيها في تنامٍ متصاعد، فإذن العلاقة عبارة عن عقد اقتصادي بحت، فلماذا الخوف غير المنطقي من الاستيلاء والاستحواذ ما دامت الحدود والحاجات واضحة؟!
إن الخوف لو كان في مسألة الانصهار لكان مبررًا جدًا، وأقصد بالانصهار هنا؛ نبذ الخير فينا واستحسان الخبيث فيهم، ولا أقصد أبدًا ألا نتأثر بهم، فالتأثر الحسن بهؤلاء مقبولٌ وغير منبوذ، إنَّ الآخرينَ ليسوا جحيمًا، هم فقط بحاجة إلى أن نبادلهم الاحترام بغض النظر عن اختلافهم عنا، نحنُ محاطون بمجموعة من الأخيار الذين قدّموا لأوطاننا الكثير، وساعدوا في التشييد والبناء والعطاء، ومن كان منهم (والأمر لا يخلو لا منهم ولا منا) صاحب فسادٍ وجريمة أو نيَّةٍ مغرضةٍ وهدامة فلنتركه للقضاء فهذا هو دورُه، على ألا نعمم الشر في بعض الأقوام ونجعله صفتهم الدائمة ودليلُنا لانتباذهم واستصغارهم والدعوة الباطلة في ذاتها لطردهم وعزلهم، فكل مظاهر النظرة العنصرية المقيتة وأشكال الاستخفاف بدورهم وبحقوقهم ليست إلا خللًا أخلاقيًا وفكريًا بحاجّة ماسة للتغيير والعلاج.

بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
03/03/2017
5658