+ A
A -
ما أن تقرأ هذه العبارة إلا وستلاحق الخبر، أو متابعة مشاهدة مقاطع الفيديو الذي تم إرساله لك، وكتب تحته بخط عريض «في الجبهة» أو «تم قصف الجبهة»، أنك في الحقيقة تريد أن تعرف أين تم قصف الجبهة بالتحديد؟ وكيف استطاع القاصف أن يكون شديد الحرفنة والذكاء لكي يرد على المقصوف، بحيث امتلك القدرة الفذة على إسكاته؟ وكنت أنا كالبقية استمتع بكل ما يتعلق بالجبهة وقصفها، والضحك أحياناً على الرد الميتافيزيقي المحير والموحي، لكني بعد فترة من المواجهة مع الذات، وجدت على الدوام أن الرد القاصف في العموم يبدو ساخراً ومهيناً، وهو يتناسب بطبيعة الحال مع التعليق الذي لا يقل رداءة من القاصف.
وحينما نعزز لقاصفي الجبهات فإننا بذلك ندعو لتحول الساحة الإعلامية إلى مجرد ساحة للقتال، واختيار المفردات التي لا تحتمل المشهد القائم، ويشعر القاصف أنه أذكى من الجميع، وأن عليه أن يكون قاصفاً للجبهات طوال حواره مع جمهوره، وهذا ما لا نريده ولا نبتغي أن يكون هو سلوكنا الأخلاقي من الطرفين، سواء من المشهور على الساحة أو من الجمهور الذي استباح لنفسه أن يقسو على الشهير لأي سبب كان، إنها ليست تربية رفيعة المستوى ولن تكون أسطورة حينما تكون قادراً على لجم الخطأ بخطأ أكبر، وبسلوك لا يتناسب مع مكانتك التي سعيت طويلاً لأن تصبح على ما أنت عليه، إن ما يتم تداوله من خلال مختلف التواصل الاجتماعي ما هو إلا أقرب «للردح» والفجور اللفظي، فالجميع يصطدم بالحوار الذي تحول بعد ذلك إلى اضحوكة تحت مسمى «قصف الجبهة»، إنه تعليم مبتدأ لكيف لك أن تأخذ حقك على أن تحتقر الطرف الآخر لأنه احتقرك، على الرغم من أنك لا تعرف البيئة التي خرج منها، ولا اسمه الحقيقي ولا حتى مستوى تعليمه، الأهم من كل ذلك ألا يقال عنك أنك جبان أمام الآخرين، أو أنك لست قوياً بما يكفي لكي تأخذ حقك بلسانك.
«قصف الجبهات» يأتي من سؤال سيئ، يتم الرد عليه بطريقة أسوأ هذه هي الخلاصة، وقد بدأ هذا السلوك يروق لنا، بل أن البعض لا إراديا يبدأ بتحريض طرف على حساب طرف آخر، كي يتمتع بوصلة «ردح» لا تنتهي، عبر تعزيز أحدهم على الآخر حتى نستثمر ما تبقى لدينا من عقد نفسية، نتخلص منها من خلال الحوارات التي تدور بين الشخصيات الشهيرة وجمهورها الذي يحمل هو الآخر بعض الذنوب والمشاكل النفسية، ويجد في المشهور مجالاً خصباً للخلاص من بعض عقده التي لا يكون مدركاً بشكل حقيقي لها.
بقلم : سارة مطر
copy short url   نسخ
05/03/2017
36713