+ A
A -
ربما كان لفظ الإرهاب هو المصطلح الأكثر ترددا في العقود الأخيرة بما تزامن معه من موجات العنف والصراع بين الأنظمة السياسية ومعارضيها أو بين جماعات مسلحة وقوى دولية كبرى مهيمنة.
ولفرط تكرار اللفظ أصبح ذا دلالة غائمة حيث يعني كل شيء ولا شيء في ذات الوقت فالأنظمة القمعية ذات المنزع الدموي تستخدمه ذريعة لتصفية معارضيها ولقمع الحريات ومنع الحقوق والحريات. فأنظمة قمعية عنيفة مثل النظام السوري أو النظام المصري تصنف كل من رفض الخضوع للمنظومة الرسمية باعتباره إرهابيا لا تستثني من ذلك احد. والدول الكبرى تصنف من يختلف مع سياساتها في خانة الإرهاب وقد تتسع القائمة أو تضيق بحسب التحولات السياسية إلا أنها في النهاية تظل حريصة على بقاء قوائم المنظمات الإرهابية عامرة بأسماء خصوم فعليين أو مفترضين تستخدم أسماءهم فزاعة لفرض رؤاها على كل من يخالف توجهاتها.
ويتمدد مفهوم الإرهاب ليشمل حركات التحرير الوطني فبالنسبة للكيان الصهيوني تشكل حركة حماس كيانا إرهابيا معاديا وهو منحى تسير إليه قوى دولية داعمة لها. وتعتبر الصين كل المطالبين بالحرية من شعب الويغور في إقليم سينكيانج إرهابيين رؤوسهم مطلوبة رغم أن مطالبهم لا تعدو أن تكون الرغبة في إثبات هويتهم الثقافية والدينية والعرقية المختلفة وهذه من حقوق الإنسان حسب ما تعلن المواثيق الدولية نظريا على الأقل. وتعتبر حكومة بورما شعب الروهينغيا إرهابيا ينبغي التخلص منه عبر سياسات التضييق والتهجير والعنف وصولا إلى أشكال متوحشة من التطهير العرقي وتظل اللافتة المرفوعة هي مكافحة الإرهاب.
غير أن اخطر ما في التلاعب بمصطلح الإرهاب محاولة بعض القوى ربطه بالإسلام فأصبح البعض يتحدث علانية عما يسميه الإرهاب الإسلامي ويدفع نحو تحميل هذا الدين بعض خطايا أتباعه. ورغم أن التاريخ يكشف أن حجم العنف أو ما يُطلق عليه إرهاب المنسوب للمسلمين لا يمكن مقارنته بجرائم اقترفتها قوى سياسية ودينية محسوبة على ثقافات أخرى غير الثقافة الإسلامية.
فجرائم النازية مثلا وضحاياها تجاوزت الملايين بداية من إشعال نار حرب عالمية راح ضحيتها ما يفوق الخمسين مليون قتيل ومرورا بمعسكرات الاعتقال التي استهدفت مجموعات إثنية ودينية محددة. ومن ناحية ثانية تختلف التقديرات حول عدد ضحايا حملات التطهير الستالينية ولكنها تتراوح بين 10 مليون و30 مليون فإذا أضفنا إلى هذا كله بضعة ملايين قتلوا على يد الأميركان في حرب فيتنام وملايين غير محددة العدد من ضحايا الاستعباد وتجارة الأفارقة عبر الأطلسي سنكتشف أن ضحايا ما يُسمى جماعات إرهابية اليوم ليس سوى جزء هامشي من الجريمة الكبرى التي تم اقترافها بحق الإنسانية. إن الأمر لا يتعلق هنا بتبرير القتل لأنه فعل مُدان مهما كان الشعار الذي يتم تبريره به ومهما كان عدد ضحاياه. ولكن ليس من العدل أن يتحدث البعض عن إرهاب إسلامي موهوم بينما يتم تبرئة أديان وثقافات أخرى من جرائم مرعبة اقترفها أتباعها. رغم انه من الأكيد أن الأديان جميعا في جوهرها بريئة من كل عنف أو تحريض عليه.
وما يفسر حالة الانحياز اللاواعي لدى البعض لتبني مقولة الإرهاب الإسلامي (وبعض هؤلاء ممن ينتسبون إلى الثقافة العربية الإسلامية) هو اعتقادهم في كمال النموذج الغربي وتصوره القاصر أن الإرهاب لا يكون إلا إذا ارتبط بجماعة مسلحة مع أن الوقائع تقول أنه لا فرق مثلا بين داعش ونظام بشار الأسد أو ما اقترفه نظام نوري المالكي وخلفاؤه لأن جوهر الإرهاب واحد وهو استهداف المدنيين أو الناشطين السياسيين وقمعهم بسبب فكرة أو نشاط أو انتماء، بقي أن نشير إلى أن الانقلابات العسكرية والاستبداد هي إحدى أسوأ أشكال الإرهاب التي عرفتها البشرية ولكنها للأسف تحظى بالدفاع عنها وأحيانا تحت شعار أنها تكافح الإرهاب... ويا لها من مفارقة.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
07/03/2017
4652