+ A
A -
في 31 يناير الماضي رفعت مدينة سان فرانسيسكو دعوى أمام القضاء الأميركي ضد الرئيس دونالد ترامب وادارته. تقول الدعوى ان الاجراء الذي قرر اتخاذه بحرمان إدارات المدن التي تشكل مآو للاجئين من مساعدات الدولة الاتحادية، هو إجراء غير دستوري. وسان فرانسيسكو هي واحدة من أكبر المدن في كاليفورنيا حيث تزيد فيها نسبة المواطنين الذين يتحدرون من أصول لاتينية على المواطنين البيض، وحيث ان ربع سكان الولاية هم من الذين ولدوا خارج الولايات المتحدة، وهي نسبة تزيد مرتين على المعدل العام في الولايات المتحدة، وحيث ان 25 بالمائة من هؤلاء غير مسجلين رسمياً. ولذلك يقول حاكم المدينة: «ان سان فرانسيسكو هي اليوم وكانت بالأمس، وستبقى غداً مدينة تؤوي اللاجئين».
ولا يقتصر التباين بين ولاية كاليفورنيا (التي تمثل وحدها ثامن اكبر اقتصاد في العالم ويمكن أن ترتقي إلى الدرجة السابعة في ضوء تراجع الاقتصاد البريطاني بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي) على قضية اللاجئين وحدها، ولكنه يتناول قضايا سياسية جوهرية عديدة أخرى.
فكاليفورنيا هي الولاية الأكبر والأوسع نفوذاً التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي. وهو يسيطر على أربع ولايات أميركية فقط، فيما يسيطر الحزب الجمهوري على 25 ولاية. وفي الانتخابات الرئاسية منحت كاليفورنيا خصم الرئيس ترامب المرشحة هيلاري كلنتون 4.3 مليون صوت أكثر مما حصل عليه ترامب نفسه!! وعندما ترشح الرئيس السابق باراك أوباما للرئاسة ما كان عليه أن يفعل شيئاً حتى يكسب كل الأصوات فيها سوى أن يعلن انه ليس من الحزب الجمهوري.
واليوم تساهم كاليفورنيا وحدها في موازنة الدولة الاتحادية بمبلغ سنوي يبلغ 452.8 مليار دولار، تدفعها على شكل ضرائب ورسوم، وهي بذلك تحتل المرتبة الثانية بعد نيويورك. ثم انها تساهم في الإنتاج الغذائي أكثر من أي ولاية أخرى، وهي تحتل المرتبة الأولى في صناعة الالكترونيات. ونظراً لحرصها على البيئة فان كاليفورنيا تنتج معظم حاجتها من الكهرباء من الطاقة الشمسية، أي اكثر من أي ولاية أخرى. ولذلك فعندما استهزأ الرئيس ترامب بقرارات مؤتمر باريس الدولي (2015) حول البيئة الذي شاركت فيه كاليفورنيا وأيدته، وعندما أعلن رسمياً رفض التقيد بتلك القرارات، اعتبرت الولاية انه يوجه اليها مباشرة ضربة مؤلمة، وكشف عن التناقض العميق بين سياسته ومصالحها الحيوية.
لقد أعلن الرئيس ترامب ان اللغة الإنجليزية يجب أن تكون اللغة الوحيدة المتداولة في الولايات المتحدة. ولكن كاليفورنيا أقرت تشريعاً باعتبار اللغتين الإنجليزية والاسبانية لغتين رسميتين في الدراسة والتعليم.
وفيما يتعلق بالمهاجرين فان في كاليفورنيا وحدها 2.4 مليون مهاجر غير شرعي، أو غير مسجل في السجلات الرسمية، ولكن يسمح لهؤلاء بالحصول على إجازة قيادة السيارة، ومن ثم الحصول على بوليصة تأمين. وعندما وصف ترامب المهاجرين السوريين بأنهم «حصان طروادة» للإرهابيين، فتحت كاليفورنيا أبوابها لاستقبال أكبر عدد منهم. وفي عام 2016 استقبلت من السوريين أكثر من أي ولاية أميركية أخرى.
لقد ألغى الرئيس ترامب ربما نكاية بالرئيس السابق أوباما، نظام الضمان الصحي. وهذا الإلغاء وحده تسبب في فقدان ولاية كاليفورنيا 334 ألف وظيفة عمل.
وفي ضوء هذه الوقائع، بدأت ترتفع أصوات في ولاية كاليفورنيا تطرح امكانية الانفصال عن الولايات المتحدة اذا ما مضى الرئيس ترامب قدماً في سياسته المتناقضة مع مصالح الولاية. حتى ان حاكم الولاية السابق جيري براون قال متهكماً في خطاب ألقاه في مدينة سكرامنتو: «اذا نجح ترامب بالانتخابات فان علينا ان نبادر إلى بناء جدار حول كاليفورنيا للدفاع عن أنفسنا وعن مصالحنا». وذكّر بأن اكتشاف مناجم الذهب في كاليفورنيا كان قد سرّع اجراءات انضمامها إلى الاتحاد.
من هنا فان المعارضة الداخلية لسياسة الرئيس الأميركي الجديد ليست معارضة سياسية - حزبية فقط، ولكنها معارضة مبدأية وقيمية ايضاً وفي الدرجة الأولى.
لقد خسرت إدارة ترامب أمام القضاء الأميركي الذي حكم بلا دستورية قراره منع دخول حَمَلة تأشيرات صالحة من سبع دول ذات أكثرية إسلامية.. فهل تخسر ادارته أيضاً أمام القضاء الأميركي في لا دستورية حجب المساعدات الاتحادية عن الولايات والمدن التي تؤوي اللاجئين؟ وكيف يستطيع أن يمارس سلطاته الدسورية اذا تكاثرت أحكام الإدانة القضائية ضد قراراته؟.

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
09/03/2017
4192