+ A
A -
«جنت على نفسها براقش» مثل عربي معروف يـُضرب في من يجلب الهلاك والشؤم لنفسه أو قومه. هذا المثل ينطبق اليوم على الصين التي تمادت كثيرا في حماية نظام بيونغ يانغ الستاليني، والدفاع عنه والسكوت على جرائمه الداخلية وسياساته العدوانية في منطقة شمال شرق آسيا، فصار هذا النظام غير آبه بالأمن والاستقرار العالميين، بل صار يكثر من الحماقات، فكلما اشتدت عليه الضغوط أطلق صاروخا باليستيا هنا أو هناك، أو قام بمناورة عسكرية، أو زمجر وتوعد جيرانه بالهلاك والدمار. وها هو اليوم يضيف نمطا جديدا من الحماقات بنشر رجال مخابراته في جنوب شرق آسيا لتصفية من يخاصمهم، على نحو ما حدث مؤخرا في كوالالمبور حينما نجح في اغتيال «كيم جونغ نام» الأخ غير الشقيق لزعيمه «المبجل» بغاز VX المحرم دوليا.
مؤخرا بدا أن بكين استشعرت خطر الزعيم الكوري الشمالي «كيم جونغ أون»، خصوصا أن بلاده تحد الأراضي الصينية. وهذا يعني أن إطلاقه المتكرر للصواريخ الباليستية قد يتسبب في خروج أحدها عن مساره وسقوطه خطأ على مدن أو قرى أو تجمعات سكانية داخل الصين، أو إصابته لبارجة حربية أو سفينة تجارية من تلك المبحرة في مياه بحر الصيني الجنوبي، وبالتالي سقوط قتلى وجرحى مدنيين وعسكريين، وتدمير منشآت صينية.
ويتزايد شعور القادة الصينيين بالأخطار المحدقة ببلادهم، مع قيام واشنطن برفع عقيرتها ضد سياسات بيونغ يانغ، وتوجيه تهديدات لها مشابهة لتلك التي وجهتها لطهران. ذلك أنه في حالة أي مواجهة عسكرية بين واشنطن وحليفاتها الآسيويات في شمال شرق آسيا من جهة، وكوريا الشمالية من جهة أخرى، فإن المتوقع حدوث كارثة إنسانية ضخمة، ربما لا تقل عن كارثتي هيروشيما ونجازاكي لجهة الأضرار والخسائر، وبالتالي ستشهد المنطقة نزوحا هائلا للكوريين الشماليين نحو كوريا الجنوبية، ونزوحا مماثلا صوب الصين من قبل أولئك القاطنين في مدن كورية شمالية قريبة من الصين.
ومثل هذه السيناريوهات باتت متداولة بكثرة هذه الأيام، ففي مقال كتبه «دينغ جانغ»، وهو باحث في معهد «تشونغ بانغ» للدراسات العليا بجامعة رانمين في بكين، ونشرته صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية في 15 فبراير 2017، أشار الكاتب إلى حادثة اغتيال «كيم جونغ نام»، الذي كان يقيم إقامة دائمة في مكاو تحت حماية السلطات الصينية، كدليل على الغموض الذي يلف الأوضاع في كوريا الشمالية، وأيضا كدليل على تجرؤ الأخيرة ضد بكين مما قد يؤثر على أمن الصين. ثم انتقل الكاتب للحديث عن التجربة الصاروخية الأخيرة التي أجرتها بيونغ يانغ في 12 فبراير المنصرم كرد أهوج على القمة التي جمعت الرئيس الأميركي ترامب ورئيس الحكومة اليابانية تشينزو آبي في فلوريدا، والتي التزم فيها ترامب بالدفاع عن اليابان ضد تهديدات بيونغ يانغ.
فقال إنها انطلقت من موقع يبعد سبعة كيلومترات فقط من مدينة كوسونغ الكورية الشمالية، علما أن الموقع المذكور يبعد عن بلدة داندونغ الصينية بنحو سبعين كيلومترا، ويبعد عن خزانات المياه الصينية- الكورية الواقعة على النهر الأصفر، حيث أقامت الصين مولدات ضخمة للطاقة الكهربائية بنحو خمسين كيلومترا. والمعروف أن المنشآت النووية الكورية الشمالية تقع في «يونغبيون»، وهذه تبعد نحو 104 كيلومترات من الحدود الصينية، ولهذا السبب لم يتردد الكاتب في قول «إن الصين قد تلحق بها أضرار نتيجة هذه المنشآت والقدرات النووية. فمنشآت كوريا الشمالية النووية والصاروخية قريبة من الحدود الصينية. وإذا خرجت الأزمة في شبه الجزيرة الكورية عن عقال السيطرة فإن هذه المنشآت ستكون هدفا عسكريا أو القلعة الأخيرة في دفاعات كوريا الشمالية»، خصوصا في ظل أمرين هما: تراجع حماس الكوريين الجنوبيين لجهة إيجاد حل سياسي لخلافاتهم مع نظام بيونغ يانغ، رغم تقديمهم المبادرة تلو الأخرى، وفي مقدمتها المبادرة المعروفة باسم «سياسة الشمس المشرقة» التي أطلقها رئيسهم الأسبق «كيم داي جونغ» في 1998، ثم الحديث الدائر في أوساط صناع القرار في واشنطن بإمكانية التخلص بسرعة وإلى الأبد من الصداع الذي يسببه نظام «كيم جونغ أون» عبر اللجوء إلى القوة الساحقة الماحقة بعد فشل كل الخيارات السلمية.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
12/03/2017
5868