+ A
A -
احتفل العالم 8 مارس باليوم العالمي للمرأة، وهو يوم اعتمدته منظمة الأمم المتحدة 1977 يوماً عالمياً، تكريماً لها، وتقديراً لإسهاماتها وجهودها في التنمية والارتقاء بالمجتمع، ويرجع أصل هذا الاحتفال، إلى تلك المسيرة الاحتجاجية التاريخية لمجموعة من عاملات النسيج في مدينة نيويورك في الثامن من مارس سنة 1908، حملن خبزاً ووروداً، وطالبن بتخفيض ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال، ومنح النساء حق الاقتراع.
وهكذا تحول هذا اليوم إلى رمز لنضال المرأة، وتذكير الضمير الإنساني بالتمييز الذي لايزال يمارس ضد ملايين النساء عبر دول العالم.
إن المشاركة في اليوم العالمي للمرأة، تكريم مستحق للمرأة العربية التي ناضلت، و مازالت، في مواجهة ظلمات ثلاث: ظلمة التقاليد الاجتماعية، وظلمة العنف والتمييز، وظلمة استبداد الجهالات، لقد نجحت المرأة العربية في نضالها، وتغلبت على كثير من العقبات والصعاب، وها هي تتقلد المناصب العليا في معظم الدول العربية بما فيها منصب الوزارة، ومنصب القضاء، وغيرها من المناصب التي كانت محظورة عليها دينياً واجتماعياً.
لقد عاشت المرأة قروناً متطاولة، ولدى كافة المجتمعات، تعاني من ظلمة التهميش، وعنف التمييز، وقسوة اللا مساواة، حتى جاء الإسلام منصفاً لها، ومكرماً لمكانتها، ومقرراً لحقوقها، ورافعا من شأنها، فكانت المرأة أول من آمن، وأقبل على هذا الدين، وأكبر من ناصر وساند رسوله، عليه الصلاة والسلام، وندد كتاب الله تعالى الخالد بأهل الجاهلية بمعاملتهم اللاإنسانية للمرأة، وما أروع رسول الإسلام في معاملته المثلى للمرأة، إنه صلى الله تعالى عليه وسلم، أكبر ناصر لها، وأعظم مساند لحقوقها، لقد حظيت المرأة لدى الرسول، عليه الصلاة والسلام بأرقى أنواع المعاملة، وكان آخر وصاياه ألا فاستوصوا بالنساء خيراً، وكانت للمرأة المسلمة مشاركة عملية واسعة في عهدي الرسول والراشدين، ثم تغيرت المجتمعات العربية تحت ثقل التقاليد، وجاء حين من الدهر، تغيرت النظرة المجتمعية للمرأة، فهضمت حقوقها، وهمّش دورها المجتمعي، وكانت المفارقة الصارخة بين التعاليم والتقاليد، وربما يجدر بالخطباء والدعاة ألا يكتفوا بتوضيح تعاليم الإسلام بشأن المرأة، بل عليهم، أيضاً، أن يستنكروا سطوة التقاليد الظالمة للمرأة، كما أن عليهم أن يجتهدوا في استنباط فهم مستنير لمقاصد الإسلام، يجسر الفجوة بين حقوق المرأة في الإسلام وحقوقها في المنظومة الدولية المعتمدة من الأمم المتحدة.
علينا انتهاز هذه الاحتفالية العالمية، وتحويلها من مجرد مظاهر احتفالية سنوية تقليدية، إلى مناسبة جادة لإلقاء الأضواء على المعوقات التي تحول دون زيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة، كما أنها فرصة حقيقية لمراجعة الموروث الثقافي الاجتماعي المنتقص من المرأة، تلك الثقافة التي ترى المرأة كائناً ناقصاً قاصراً، بحاجة دائمة إلى وصاية ولي، علينا إعادة النظر في هذه الثقافة المستريبة بالمرأة، المخالفة لتعاليم ديننا، والتي انتقلت إلينا من عصور الضعف والتخلف- انظر على سبيل المثال ما جاء في شأن المرأة، ص24، الجزء 2 من كتاب «إحياء علوم الدين»، لشيخ الإسلام أبي حامد الغزالي- تجد هذا الإمام العظيم، يحشد كل النصوص والأقوال السلبية عن المرأة، فيخلط أحاديث ضعيفة بآثار مكذوبة عن الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم، بأوهام معرفية، ليخلص إلى بلورة ثقافة تزدري المرأة، وتحط من شأنها، فالمرأة عند هذا الإمام، مطبوعة على سوء الخلق، وركاكة العقل، واعوجاج الطبع، وكيدهن عظيم، فعلى الرجل الحذر منها، لا يستمع لها، ولا يشاورها، بل عليه العمل بخلاف رأيها، لأن( خلافهن بركة) وأنت إذا أكرمت المرأة أهانتك، وإذا أهنتها أكرمتك! وللمرأة عشر عورات، فإذا تزوجت ستر الرجل عورة، حتى إذا ماتت ستر القبر العورات الباقية! بالله عليك: أين هذا الكلام من قول رسول الإسلام( خيركم، خيركم لأهله) وما أكرمهن إلا كريم وإذا كان للقدماء مايسوغون به تلك الثقافة السلبية، فهم في النهاية، أبناء عصرهم، فإننا أبناء عصرنا، وعلينا إعلان القطيعة المعرفية مع هذه المنظومة الثقافية المزدرية بالمرأة، لأنها مناقضة لتعاليم ديننا والقيم الإنسانية والأخلاقية.

بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
13/03/2017
5380