+ A
A -
الجميل أن أعداد المشايخ الذين صاروا يتحدثون ويلفتون انتباه الناس في دول مجلس التعاون الخليجي إلى مسألة الإسراف في توفير الأطعمة في المناسبات على اختلافها وخصوصا المفرحة منها كالزواج ويحاولون أن يقنعوهم بأن هذا تبذير منهي عنه في الإسلام وأن الله سبحانه وتعالى أمر بعدم الإسراف فقال سبحانه «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا» وأنه سبحانه لا يحب المبذرين فقال «إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين»، الجميل أن أعداد هؤلاء المشايخ في ازدياد، أما غير الجميل فهو أن أعداد المسرفين والمبذرين في ازدياد أيضا، وهذا يدفع إلى ضرورة اعتبار موضوع الإسراف والمبالغة في توفير الأطعمة في المناسبات من الموضوعات التي تستحق أن تجد اهتماما أكبر من المجتمع وخصوصا من المتخذين منها موقفا سالبا.
يقول أحد أولئك المشايخ إن أحدهم نقل إليه أنه كان ضمن فريق الضيافة في أحد الأعراس وأنه أكد أن المدعوين لم يستهلكوا سوى عشر ذبائح من الستين ذبيحة التي تم توفيرها احتفاء بهم وأنهم احتاروا في ما يفعلونه في ذلك الفائض الذي زاد منه الكثير حتى بعد توزيع جزء منه على العمال الأجانب المقيمين في المنطقة والذين وصلوا حد الملل من كثرة ما يصلهم من فوائض الطعام.
الموضوع ليس بسيطا وليس عاديا، فهو إضافة إلى مخالفته الشرع فإنه يسيء إلى سمعة الإنسان الخليجي حيث يسهل مع ذلك وصمه بأوصاف لا تليق به. توفير الأطعمة بالكمية التي تكفي المدعوين ولا تزيد، أو لا تزيد إلا قليلا، لا علاقة له بالبخل، بل على العكس يؤكد التزين بالعقل ويعبر عن الفطنة والذكاء وحسن التدبير، تماما مثلما أن المبالغة في توفيرها لا علاقة له بالكرم حيث الكرم لا يعني الإسراف وتوفير الأطعمة ثم كبها في حاويات القمامة.
آلاف الأطنان من الأطعمة في مختلف دول مجلس التعاون تكب يوميا في تلك الحاويات، الترجمة الحقيقية لذلك هو كب الأموال فيها أو حرقها، فتلك الأطعمة ليست بالمجان وإنما يصرف عليها أموال طائلة، وهذا يعني أنه لا أصحاب تلك الأموال يستفيدون منها ولا يستفيد منها من قصدوا ضيافتهم والتعبير لهم عن علو مقامهم.
هذا لا يعني التوقف عن التعبير عن الفرحة بالمناسبات التي يتم تقديم تلك الأطعمة فيها، ولا يعني تغيير العادات العربية الأصيلة والإساءة إلى الكرم وإعزاز الضيف، ولكن المعنى هو فعل كل ذلك ولكن من دون مبالغة ولا إسراف ولا تبذير، لأن في هذا مخالفة صريحة للشرع وخسارة لا يقبل بها العقل وفعلا يسيء إلى الإنسان الخليجي الذي يبدو عند قيامه بذلك وكأنه يعطل عقله بل يسهل وصفه بافتقاده للعقل والحكمة.
الأكيد أن الغالبية لن يتوقفوا عن ممارسة هذا السلوك حتى مع الظروف الاقتصادية الطارئة على دول التعاون وحتى مع علمهم الأكيد بأنهم بفعلهم هذا إنما يطعمون القمامة، لكن المطلوب أيضا عدم توقف المعنيين عن ممارسة دورهم والاستمرار في تقديم النصح، فـ«كثر الطق يفج اللحام».

بقلم : فريد أحمد حسن
copy short url   نسخ
14/03/2017
4116