+ A
A -
قدمت حزمة الوثائق السرية التي نشرها موقع «ويكيليكس» مؤخرا، دليلا قاطعا على أن مفهوم السيادة الوطنية للدول انهار تماما.
آلاف الوثائق المسربة التي تعود لوكالة المخابرات الأميركية «سي آي ايه»، تكشف طبيعة الحرب الإلكترونية التي تخوضها الوكالة للتجسس على الدول والأفراد حول العالم، وتستهدف أجهزة الحواسيب التي تعمل بكل الأنظمة المتاحة؛ «ويندوز،أندرويد، أكس ولينكس» وحتى موزعات الإنترنت «الراوتر».
أما الجديد في الاكتشافات المثيرة، فهو قدرة «الهاكرز» العاملين لدى اجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية على اختراق أجهزة التلفاز الذكية، وتحويلها لوسائل تنصت، ومكنها أيضا من اختراق برامج المحادثات الفورية مثل «واتس آب».
وتدور في الخفاء حاليا حروب إلكترونية «وطيسة» بين شتى الدول، وتبرز الصين كمحارب شرس وكمصدر تهديد لشبكة المعلومات الأميركية، خاصة في الميدان التجاري.
وتظهر الوثائق المسربة بأن الدوائر الاستخبارية بصدد تسخير أجهزة التلفاز الذكية لنقل لقطات «فيديو» مصورة وحية من أماكن تواجدها.
يعلق خبير تقنيات متخصص بالقول إن الوسيلة الوحيدة لمنع اختراق الأجهزة الذكية والتجسس من خلالها هو بفصلها عن شبكة الإنترنت، وهو أمر يبدو مستحيلا بالنسبة لملايين البشر في العالم، وكذلك للمؤسسات الرسمية والشركات.
معنى ذلك أن لا حول ولاقوة لنا؛ دولا وأفرادا، فإذا ما أردنا أن نبقى على صلة بالعالم، فعلينا التسليم بالتنازل عن خصوصيتنا وأسرارنا، والاستسلام لقوة التكنولوجيا الخارقة، وإلا ليس من خيار أمامنا سوى التخلص من أجهزتنا الإلكترونية، وقطع علاقتنا نهائيا بشبكة الإنترنت. وذلك يعني انهيار مجتمع الاعمال والتعليم وبرامج السفر، والانفصال المعرفي والإعلامي عن العالم، وتوقف حركة التجارة مع العالم الخارجي. وحتى على المستوى الوطني، لن يكون بمقدور الحكومات تسيير أعمالها، وإدارة عملياتها، دون شبكة الإنترنت. الأرجح أنها ستواجه خطر انفلات الأمن وانهيار الدول برمتها.
«الهاكرز» هم اليوم القوة العالمية الصاعدة، التي أثبتت قدرتها على اخترق الحدود الجغرافية للدول، وتغيير مسار الأحداث، والتلاعب بالحقائق، وشن هجمات قاتلة على أنظمة الدول الإلكترونية، وتعطيلها، وشل حركتها.
وقد تمكنت أجهزة الاستخبارات العالمية من توظيف هذه القوى لتنفيذ مخططاتها في التجسس واختراق الشبكات الإلكترونية. وفي هذا الصدد ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن وثائق «ويكيليكس» المسربة تشير إلى وجود 5 آلاف هاكر على قائمة رواتب الـ«سي آى ايه». ومازح لافروف الصحفيين بمؤتمر صحفي بالقول إنه سمع أن الهاكرز قادرون على اختراق الثلاجات وتحويلها لأجهزة تجسس!
روسيا بالطبع ليست بعيدة عما يدور في العالم الافتراضي، فقد أظهرت تفوقا كبيرا في مجال التجسس الإلكتروني، واستخدام الهاكرز، لتحقيق أهدافها، وتجلى ذلك بنجاحها في اختراق الحواسيب الأميركية أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، والتلاعب باتجاهات الناخبين، وبمخزون المعلومات الإلكترونية، على ما كشفت تحقيقات اجهزة الاستخبارات الأميركية.
الحاصل أن السيادة الوطنية للدول أصبحت في خبر كان، وصار لزاما على مفكري السياسة والعلاقات الدولية، البحث عن تعريف جديد للسيادة الوطنية، غير ذلك التعريف الذي ظل سائدا لقرن مضى. حتى لدول عظمى مثل أميركا، يتعرض مفهوم السيادة الوطنية للاهتزاز، بدليل نجاح مجموعة أشخاص مجهولين في اختراق أكثر أنظمة الأمن تحصينا، وسرقة ما تحتويه من معلومات غاية في الحساسية.
شبكة الإنترنت هي التي ترسم حدود السيادة في عالمنا المعاصر، والحرب على المعلومات، هي الحرب الكونية المقبلة، وميدانها الشبكة العنكبوتية.
بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
16/03/2017
4676