+ A
A -


تطلع الإنسان للكمال وبلوغ المراد هدف أزلي يكاد ينهشه، على أن هكذا هدف هو مكمن عظمته لإصراره على التغيير للأفضل، بحيث تأسس فيه غرس أصيل بالتهميش وعدم استحقاق التقدير الذاتي لو أخفق في الوصول لرأس أهدافه بل ثمة محفزات شتى تغريه بالبحث لبلوغ التفوق، منها تحقيق التفرد ولمس تقدير الآخرين والخوف من العجز أو الانغماس في صفوف المهمشين.
هكذا تطلع يعد قيمة يستوي فيها الخير والشرير، الشرقي والغربي على حد سواء، لكن المُشكل أن البعض يسلك في سبيل تحقيق غايته الممكن، وآخرون يسلكون طريق المستحيل ويحتالون بوسائل خارقة للطبيعة.
وأدبيات الشرق حافلة بمن توسلوا تعازيم السحرة وحُجب المشعوذين لتحقيق نصر ذاتي، إلا أنه يغيب عن كثيرين أن أدبيات الغرب بالمثل ضالعة في غُيابات وترهات لنماذج استخدمت اللا معقول لتوسل قوة خارقة تعين على تحقيق الأماني.
ولكم هالني نموذج «فاوست» في التاريخ الغربي، فقد نشأنا على أن الغرب عقلاني وواع للحقائق العملية فحسب، إلا أن تغلغل نموذج «فاوست» الضارب في تاريخ المعتقد الغربي يثبت أن كلنا في هم الشعوذة شرق وغرب، أشقاء في التفكير.
و لقد التفت لنموذج «فاوست» المعروف في القرن الخامس والسادس عشر، كونه انتشر في الفكر الغربي في مرحلة كان للكنيسة قوة راسخة، وبالرغم من ذلك توسل «فاوست» عالم اللاهوت الألماني قوة خارقة من السحرة ليسخرها لتنفيذ مراده رغم ان السحر ما هو إلا تحد للألوهية التي حصل من دراستها على شهادة الدكتوراه.. إلا انه سعى لخرق النظام الذي اوجدته الألوهية بالاستعانة بقوة متمردة على الربوبية ذاتها وعلى رأسها الشيطان ومردة الجن.
والأديان السماوية كلها تؤكد على وجود الجن وتحرم اللجوء للسحرة كما ان الايمان بالجن قديم قدم الإنسان وقد يكون مفهوماً ان تلجأ الشعوب البدائية لتفسير المصائب ونسب الأمراض والجنون للجن، لكن المثير أن الشرق والغرب يجتمعان على ذات المفاهيم. فحتى اليوم تنتشر معتقدات سيطرة الجان على مصائر البشر بين جهلة وفقراء شعوب الشرق والغرب على السواء، فيما يسود في نفس هذا الشرق والغرب إيمان متغلغل لدى الأقوياء والمؤمنين والمتعلمين في أن مقاليد الأمر بيد الله وحده.
والشاهد أن الاعتقاد في قدرات الجن الخارقة كان سائدا في أعرق الحضارات القديمة بمصر واليمن، اليابان، التيبيت والعراق.
وفي العهد القديم أطلق على الجن ألقاب منها سديم، وعزازيل – جن الصحراء- وعند العوام من اليهود كان ينظر للجن على أنهم ظلال وأشباح.
و قد أخذت المسيحية بمعتقدات اليهود في الجن، بيد أننا لا نجد في الأناجيل أثرا للجن الا فيما يتصل بالجنون، ويربط القديس بولس بين عبادة الجن والأوثان.
وقد أدانت الكتب السماوية الثلاثة وعاقبت من يتعامل بالسحر لأن من يتصل بهم لابد أن يعقد ميثاقاً مع الشيطان بموجبه يسلم الساحر نفسه وجسده للشيطان مقابل ان يلازم الشيطان الساحر ليلبي له طلباته.
مربط القول أن كسل البشر وبؤسهم شرقاً وغربا حرض يعضهم لخوض سبل مرعبة لتحقيق النجاح وان انكروا وجود الله. لكن حتى «فاوست» عاد قبل وفاته بسويعات لدى تأكده من دنو أجله ليكفر بشياطينه وبكل ما ضرب في معتقدات دينه ظنا منه أنه الآن يستطيع إحراز نصري الدنيا والآخرة.
ما أاخف عقل سفهاء المشارق والمغارب حينما يستعيضون بالشعوذة عن اللجوء لله!
- كاتبة مصرية
بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
25/03/2017
4412