+ A
A -
قبيل تولي ترامب رسمياً الحكم، إضافةً للتواصل المختلف الذي أجرته إدارة الرئيس ترامب مع أنقرة بعد توليه مقاليد الحكم، سادت في أروقة المنطقة أحاديث بأن موقف ترامب من إيران، سيصب في صالح دعم حلفاء واشنطن الإقليميين في مواجهتها. ولكن ما جرى في منبج وفي الرقة، من دعم أميركي مسلح للدفاع الصاروخي، لمجموعات كردية محسوبة كليّاً على الولايات المتحدة، في مواجهة الطيران التركي، ثم رفع التنسيق الأميركي مع موسكو، والذي اتخذ تموضعاً واضحاً.
في تفضيل خيار الشراكة الروسية مع المجموعات الكردية، لاجتياح الرقة، وهي رسالة ضمنية لتركيا، كل ذلك أعطى سياقات مختلفة عن الصورة التي رُوج لها بهذا الشأن، أو التفاؤل الذي أبداه المسؤولون الأتراك مع حكومة ترامب.
ومؤخراً عاد الإعلام التركي وشخصيات رئيسية، إلى انتقاد الروس، والانسحاب من أي رهان على التحالف مع موسكو، وهو التحالف الذي كان يرجح إعداد بديل لنهاية الحرب السورية، يقوم على توافق استراتيجي بين البلدين، حيث أسقطت موسكو كل هذه الحسابات، وأصرّت على تحويل موقف المعارضة، إلى مجرد استسلام ميداني، يقبل بإعادة تدوير نظام بشار وبقائه بأعلى السلطة.
هذه الحصيلة المرّة لأنقرة، تجعل ضرورة ضبط الحسابات بمعادلة دقيقة قضية مهمة للغاية، ليس مع موسكو فقط، والتي لا يمكن لتركيا، أن تتخذ موقفاً مواجهاً لها، وإنما قد تتوقف عن الخطط المشتركة ذات العمق الاستراتيجي معها.
وإنما حاجة إنقرة لضبط التعامل أيضاً، مع إدارة ترامب وأوروبا في الملفات الإقليمية الصعبة، فموقف البيت الأبيض في عهد أوباما لم يختلف عملياً، مع إدارة ترامب، بل ربما ضاعفه، فالتنسيق مع الروس في سوريا، يعني التنسيق مع إيران والنظام، وشراكة الجيش الأميركي ميدانياً، وعبر الطيران الحربي، الذي أباد أحياء كاملة من المدنيين في الموصل، بعضها لم يكن لداعش فيها تواجد، كان ضمن خطة مشتركة لا يمكن لحكومة حيدر العبادي تحقيقها دون قرار وتواصل الطرفين.
إن الإشكالية العميقة للدولة التركية اليوم، هو في مراقبة واشنطن وأوروبا لواقعها الداخلي والإقليمي، خاصة بعد الاستفتاء، الذي سيُشكل بعده القومي داخل تركيا أيقونة حساسة للغاية، فاستثمار الغرب المواجهة مع أكراد سوريا وحزب العمال، ثم مع المواجهة السياسية مع أكراد الداخل، والتوتر مع المعارضة، هي مؤشرات ستحدد موقف الغرب، الذي يعمل لمصالحه.
وهنا دور حزب العدالة والرئيس أردوغان، في إعادة ضم وتنظيم البنية السياسية للدولة التركية، واستيعاب ملفاتها الداخلية، بعد الاستفتاء ثم تحويل الخلاف المتزايد مع أوروبا، إلى مواجهات إعلامية ترد على أوروبا، لكن لا تؤثر على استراتيجية الدبلوماسية التركية التي نجح فيها العدالة.
وهنا نقطة مهمة للغاية، حول الحملات بين أوروبا وبين تركيا الجديدة، وهي حملات كراهية وتعصب ليست جديدة، فارث النزاع الأوروبي، مع العثمانية الإسلامية، والخشية القديمة من أن تعود تركيا باقتصاد قوي وسياسة فعّالة لقيادة الشرق، أو المساهمة فيه، قضية معروفة ومسلمة بأنها منحازة قديماً.
بغض النظر عن الأخطاء، التي كان ممكن أن يتجنبها حكم العدالة، خاصة التلويح بزج مصير المدنيين المهاجرين في المعركة الدبلوماسية، في مثل هذه الظروف الدقيقة،
كان منظور حزب العدالة مع الغرب يقدم مفهوماً مختلفاً، عن موقف الزعيم التركي الإسلامي نجم الدين اربكان.
لقد تبنى أربكان معادلة تركيا القوية ذاتياً، والمنتمية إلى أمة الشرق الإسلامي، والمتفاصلة مع الناتو الغربي، ولم يكن اربكان يدعو لمواجهة مع أوروبا، فهي حسابات كارثية بتقدير كل الأطراف التركية، لكنه شدّد على أن البناء المستقبلي اقتصادياً واجتماعياً وهوية شعبية، يجب أن تقرّب المواطن من جغرافياً وروح الهلال، وكان يرفض الاقتران بالاتحاد الأوروبي، ويطالب بشدة بالانسحاب من الناتو.
وهي إحدى المسارات التي حوصر بسببها، من العسكرية العلمانية، وضمن قضايا اختلف معه فيها مجموعات شبابية من حركته الإسلامية، عبدالله غول ورجب طيب أردوغان ورفاقهما، حيث إن المنظور الذي خاضوا به تجربتهم، أن تقوم نهضة تركيا أولاً وعبرها، وحين تكتمل سياقاتها الدفاعية والسياسية والاقتصادية، تكون في موضع التحرك للمنافسة الاستراتيجية مع أوروبا، التي يؤمنون قديما بشكوكهم في موقفها، كما يؤمنون برباطهم المسلم.
ولا نعرف أن هذه الاستراتيجية قد أسقطها الحزب، رغم خطابات الرئيس المتتالية عن الأزمة، ولذلك فإن إعادة ربط الجسور واردة من جديد، وهو ما يجعلنا نؤكد بأن هذا الربط سيكون أقوى وأفضل لصالح تركيا، حين يسبقه إنجاز ملفات مصالحات داخلية أو استيعاب لها.
وواشنطن تترقب ذلك أيضاً، كما هي موسكو، فصناعة المصالح الإقليمية الكبرى، ستعتمد على انخراط تركيا في أزمات متعددة، أو خروجها منها بحقيبة إصلاحات كبرى، بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء المتوقع عبوره لصالح الدستور الجديد.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
30/03/2017
3094