+ A
A -
ستبقى الأحداث التي وقعت في الدول التي شهدت أحداث الربيع العربي، شاهدا على التجربة المريرة ذات الخصوصية، التي عاشتها هذه الدول، سواء قبل عام 2011، أو من بعده، وحتى الآن. هذه الدول شهدت انتفاضات ضد أنظمة حكم شمولية، ينفرد فيها الرئيس – المنتخب صوريا – بالحكم الأبدي، رافضا أن يخلفه أحد في كرسي الحكم. وإذا قدر له الرحيل إما لأسباب صحية، أو لانقضاء أجله، فهو لا يرضى بأن يحل محله أحد، سوى إبنه وريثا له.

هذا ما عرفته نفس الدول التي أغرقتها الفوضى من بعد عام 2011 – سوريا – العراق – ليبيا – اليمن – ومصر. ولم تكن خطيئة الحكم تنحصر فحسب في الإنفراد بالدولة وتوريثها، بل أيضا في أسلوب إدارتها. فهو يمارس أسلوبا يبدد معنى الدولة ككيان قانوني وسياسي، كما تعترف به المجتمعات المتقدمة، وكما ينص عليه علم السياسة. ومن حيث أن الصفة المميزة للسياسة على غيرها من مختلف أنواع النشاط الإنساني، هي العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لتحقيق إنسانية الاثنين، وليس طغيان إنسانية أحدهما على حساب الآخر، ووجوده، وقدرته، ودوره. وإذا لم يتحقق ذلك، فليس ما يمارس بسياسة، وليس ما يدور فيه هذا النشاط بدولة. فالممارسة خرجت عن كافة القواعد التي تقيم دولة.

هذا المناخ يجرد الحاكم الفرد من الإحساس الإنسانى الطبيعى بأنه مخلوق يصيب ويخطئ. فتتضخم ذاته، وتتمرد مساحة صورته في عينيه، مبتلعة صورة الدولة. وكلما مد بصره يرى ذاته بديلا عن الدولة. أو أنه والدولة سواء. عندئذ تتحول الدولة إلى كيان للشقاء، تنزع منه أي فرصة لشعور الإنسان بالسعادة والرضا.

في مواجهة هذا الوضع حدثت انتفاضات 2011، رفضا لمناخ شاذ، يخرج عن معنى الدولة، وعن مفهوم السياسة، وعن منطق العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وعن دور الدولة الذي جاء الحاكم ليلعبه. لكن هذه الانتفاضات واجهت معضلتين: الأولى أن الحاكم كان قد جفف السياسة من كل مقوماتها الطبيعية، وأحالها إلى أرض بور. والثانية أن هذه الهبات الشعبية، انطلقت بلا قيادة، وبلا برنامج عمل مكتمل، لديه تصور، وآليات، لخلق بيئة سياسية جديدة مستقبلية تحل محل سابقتها. فحدث الاضطراب، وحلت الفوضى بديلا عن الاستقرار.

مع ذلك، لم تكن هذه المعضلات هي السبب الوحيد. فقد كانت هناك أطراف أخرى، بعضها محلية، وبعضها خارجية، متربصة من وقت سابق بهذه الدول جميعا، ولديها نواياها التي تقوم أساسا على نظريات الفوضى، وهدم أنظمة الحكم القائمة. إحداها – القوى الدولية التي لها استراتيجيات معروف، ومنشور تفاصيلها في دولها، والتي تخطط لتقسيم الدول القائمة، وإعادة حكم الحدود بين دول المنطقة، والأخرى منظمات التطرف العقائدي، التي تبنت العنف، وأفكار الإرهاب. والطرفان يجمعهما مبدأ العداء للقومية، ومفهوم الدولة الوطنية، متعددة الأعراق. والاثنان يؤمنان بأن الفوضى هي السبيل لهدم الدولة وإعادة تشكيلها بصورة مختلفة.

ولأن الخراب هو قرين هذه الأنظمة الدكتاتورية، فقد استمرت الفوضى تضرب بسوءاتها في هذه الدول حتى الآن. وإن كانت مصر – وفقا لمعلومات مسجلة وموثقة – قد تنبهت مبكرا إلى حقيقة ما يدبر لها، واستطاعت الوقوف على قدميها.

ومازالت بقية الدول الأخرى تجاهد للخروج من المأزق، وحتى تستعد زمام نفسها من جديد، وأن تحبط تدابير كل الطامعين، من قوى خارجية، ومن جماعات داخلية متآمرة بطبعها، وبفكرها المنحرف.

بقلم : عاطف الغمري

copy short url   نسخ
06/04/2016
3390