+ A
A -
لا شك أن الصين حققت نمواً اقتصادياً مذهلاً منذ انفتاحها على العالم سنة 1978. فبفضل نجاحها في جذب الاستثمارات الأجنبية الباحثة عن الأيدي العاملة الرخيصة، واعتمادها على التقليد والتصنيع لأغراض التصدير، والتزام المواطن الصيني بقيم الادخار، حقق ناتجها المحلي الاجمالي نمواً سنوياً بمتوسط تجاوز 10 %. وارتفع متوسط دخل الفرد الشهري من 150 يورو في 1978 إلى ألف يورو في 2015.
هذا كله بدأ يتغير منذ بعض الوقت مع التراجع الاقتصادي في العالم والشعور بمخاطر الاعتماد المفرط على الصادرات والاستثمارات الأجنبية، وغياب اقتصاد الخدمات والابتكار والمعرفة، وانفتاح شهية المواطن الصيني على الانفاق. دعك مما تسببت فيه الطفرة الاقتصادية على مدى 3 عقود من مشكلات مثل الافراط في استخدام الطاقة المستوردة، وتفاقم التلوث البيئي، وانتشار الفساد في الدوائر الرسمية والخاصة، واتساع الهوة التنموية والخدمية بين المدن والأرياف، والتفاوت الكبير بين مستويات المعيشة.
ولئن اعترفت السلطات ببعض الحقائق السابقة فإنها لا تدق ناقوس الخطر، بل تبدو متفائلة وتروج لمقولة أن الأمور تحت السيطرة وأن الحزب الحاكم أعد خطة اقتصادية محكمة للسنوات القادمة، وأن هذه الخطة تبشر بفرص عالمية، وأن وضع ميزان المدفوعات جيد والعجز المالي قليل ونسب الادخار مرتفعة (يتناقض هذا مع تقرير صندوق النقد الدولي في يونيو 2016 حول وصول حجم الديون الاجمالية الصينية إلى 28 تريليون دولار أي 282 % من الناتج المحلي الإجمالي، وفشل مساعي السلطات في معالجتها واحتمال أن يؤدي هذا إلى أنهيار مالي سريع).
دعونا نقرأ (بتصرف) ماكتبه الباحث الصيني «لي قانغ» في صحيفة «تشاينا توداي» الرسمية: «تتبنى الصين في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية الجديدة فكرة أن الاستهلاك هو القوة الدافعة الأساسية للنمو. وتشمل نقاطه الرئيسية تحسين نظام الضمان الاجتماعي وإنشاء شبكة للضمان الاجتماعي، الأمر الذي سيزيد دخل المواطنين القابل للإنفاق وتحرير قوتهم الشرائية، وبالتالي تعزيز الاستهلاك. تسير التحركات في هذه الأثناء على قدم وساق لتعزيز اقتصاد السوق في أسواق المال والقضاء على القيود المالية لتوفير بيئة تمويل جيدة، وأيضا لزيادة الاستثمار العقلاني في ظل تزايد الاستهلاك وتحسين بيئة التمويل، وبالتالي دفع نمو الاقتصاد وزيادة فرص العمل. إن تحول نمط نمو الاقتصاد الصيني يساعد في تحقيق تنمية مستدامة وسليمة للاقتصاد الصيني والعالمي معا.
غير أن المراقبين الأجانب، الذين يأخذون على الصينيين عدم مصداقية إحصائياتهم الرسمية، لهم رأي آخر. فـ«ديفيد شامباو» وهو أستاذ مرموق في جامعة جورج تاون كتب متحدثاً عن جملة من العوامل الداخلية المؤثرة سلباً على أوضاع الصين الاقتصادية، وبالتالي المؤدية إلى تآكل نظامها السياسي. من أبرز هذه العوامل تراجع الرئيس «شي جينبينغ» عن خطط أسلافه في تعزيز الانفتاح الاقتصادي والإصلاح السياسي وضم أعداد أكبر من رجال الأعمال والمثقفين إلى لجان الحزب الحاكم المحلية، وقيامه بحملات متتالية ضد المعارضين ومواقع التواصل الاجتماعي وطلبة الجامعات، واستخدامه فزاعة الفساد لضرب النخب الاقتصادية ورجال البيروقراطية الحكومية الذين يشك في ولائهم. وخلص الكاتب إلى القول إن أجواء كهذه دفعت الكثيرين من النخب الاقتصادية الصينية إلى التفكير بالهجرة، خصوصا أصحاب الثروات البليونية أو المليونية (طبقا لمركز شنغهاي هورون للأبحاث فإن 64 % من أثرياء الصين هاجروا أو يعدون للهجرة لاسيما وأن أولادهم يدرسون في الخارج). هذا ناهيك عن أن الكثيرين من هؤلاء، وبينهم أعضاء في الحزب الحاكم، يبعثون بزوجاتهم إلى كاليفورنيا وقت الولادة كي يحصل أبناؤهم على الجنسية الأميركية. ففي مارس 2015 داهمت شرطة الأميركية في جنوب كاليفورنيا مراكز عديدة متهمة بالضلوع في ما أطلق عليه «سياحة الولادة».
وحول ديون الصين التريليونية كتب الاقتصادي العراقي د. صباح نعوش موضحا أنه على الرغم من الاحتياطي الرسمي الصيني الذي يعد الأكبر عالميا فإنه لن يستطيع سوى تغطية 14 % من حجم هذه الديون، ومشيرا إلى أن بكين فشلت في معالجة المشكلة لأن جل ما قدمته من قروض للمؤسسات العاجزة لم يستخدم في تصحيح الخلل وإنما استخدم في مشاريع عقارية وخدمية. فمثلا «تم بناء عقارات لا تزال غير مستغلة، وتم تعبيد آلاف الكيلومترات من الطرق السريعة دون جدوى أوحاجة فعلية. وشيدت فنادق ومراكز تجارية خالية من الرواد».
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
02/04/2017
3296