+ A
A -
جاءت قمة البحر الميت كما هو متوقع منها مخيّبة لآمال الشعوب العربية وبخطاب رسمي عبّر عنه القادة والرؤساء بما يناسب حالة الارتكاس العربي التي تسير نحو مزيد من الانغلاق واجترار قضايا تلوكها الألسن دون قدرة على تقديم حلول بقدر ما هي تأكيد لما يمكن تسميته خطابات الأزمة.
فقد تمحورت أهم الكلمات ولدول عربية كان من المفترض ان تكون قوى كبرى وقائدة غير أنها لم تتجاوز الحديث بلغة فضفاضة عن المشكلات المعتادة للأمة بداية من القضية الفلسطينية وعملية السلام المفترضة التي لازالت تراوح مكانها وبين قضايا تتعلق بالأوضاع الملتهبة بسوريا والعراق واليمن وليبيا حيث لم تتجاوز الكلمات مجرد التمنيات لإيجاد حلول لم يسع احد لطرحها بجدية. وقد بلغت حالة الضعف العربي الحد الذي أصبحت فيه الشعوب محل إدانة لنسمع توصيفات مخجلة لثورات الربيع العربي واعتبارها عائقا أمام التنمية والتقدم وكأن أنظمة الاستبداد التي كانت سائدة في الدول التي عرفت الثورات قد حققت شيئا لشعوبها يمكن أن تذكره كتب التاريخ أكثر من حالات العسف والتعذيب وإراقة الدماء.
ويظل موضوع الإرهاب هو القضية الأثيرة لدى كثير من الحكام العرب ربما لتناغمها مع متطلبات السياسة الدولية ولأنها تمثل في ذات الوقت مشجبا لتصريف أزمات داخلية حادة تعيشها هذه الأنظمة وقد كان خطاب زعيم الانقلاب في مصر واضحا في حديثه عن محاربة ما سمّاه «الإرهاب الإسلامي» في استعادة مقيتة لخطاب غربي استشراقي يربط الإرهاب بجوهر الدين الإسلامي وهو ما لا نجد له نظيرا في الاستعمال الخطابي أو المجال الدلالي للأديان الأخرى مهما مارس أتباعها من عنف أو إرهاب.
ومن الإنصاف القول إن كلمة سمو أمير قطر كانت الأكثر وضوحا ومنهجية في القمة سواء في الموقف من القضية الفلسطينية من حيث الدعوة إلى «التعامل بحزم مع إسرائيل وإجبارها على التوقف عن بناء المستوطنات، وإنفاذ قرارات الشرعية الدولية، ووقف الانتهاكات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني» وهو أمر لابد أن تضطلع به الحكومات العربية بعيدا عن المنطق الخطابي و«لتتطابق الأقوال مع الأفعال» كما ورد في بداية الكلمة. ويظل الموقف من الإرهاب الذي تعانيه المنطقة هو نقطة الخلاف الأساسية في تقديرات الحكام العرب وهنا كان الموقف القطري واضحا من جهة أن هذه المسألة ينبغي ضبطها ضمن الحدود التي تسمح بالتعامل معها بموضوعية وبالتالي تمنع تفاقمها وانتشارها. فليس من الحكمة في شيء اتهام كل القوى السياسية المعارضة بالإرهاب كمبرر لاجتثاثها حيث يتساءل سمو الأمير محقا «هل من الإنصاف أن نبذل جهدا لاعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية، على الرغم من أنها ليست كذلك. وهل هدفنا أن نزيد عدد الإرهابيين في هذا العالم؟». ومن ناحية أخرى فإن الإرهاب ظاهرة دولية ترتبط بأديان وأفكار وأيديولوجيات مختلفة فهو لا يقتصر «على دين أو مذهب بعينه، فثمة ميليشيات إرهابية من مذاهب مختلفة ترتكب جرائم ضد المدنيين والمرافق المدنية لأهداف سياسية بعلم وأحياناً برضى حكوماتهم». ومن هذا المنطلق فإن محاربة هذا الخطر الذي يتهدد المجتمعات العربية يقوم على جانبين في نظر سمو الأمير وهما التركيز أولا على الجماعات المسلحة التي تتبنى العنف منهجا من جهة وثانيا توفير الحقوق الأساسية للإنسان وعلى رأسها الحرية والتنمية والمساواة أمام القانون.
لقد كانت كلمة سمو أمير قطر كلمة منهجية تتميّز بوضوح الرؤية والوعي بمشكلات الأمة وحاجاتها العاجلة بعيدا عن منطق المناكفات السياسية وتعميق الصراعات وسوء إدارة الخلافات إلى حد تحويلها إلى أزمات بين شعوب عربية علاقتها أمتن وأعمق من مجرد موقف سياسي لنظام مغلق يرفض كل أشكال الحوار أو التعايش.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
04/04/2017
2936