+ A
A -
مما لاشكَ فيه الآن، ووفق المُعطياتِ المُستقاةِ من الواقع الملموس، إن حضور قوى اليمين بشقيه العلماني، والتوراتي، وكذلك اليمين المُتطرف في «إسرائيل» وداخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية، يتسع الآن أكثَرَ من أي وقتٍ مضى، لأسبابٍ ذاتية داخلية «إسرائيلية»، وموضوعية مُحيطة، لها علاقة أولاً باندلاق شهية التوسع والاستيطان في المجتمع «الإسرائيلي» وسطوة نفوذ لوبي المستوطنات والأحزاب التوراتية الصغيرة في القرار الحكومي. ولها علاقة ثانياً بتوفر الغطاء الذي تحظى به حكومة نتانياهو من قبل الولايات المتحدة، حيث النقد الأميركي الناعم والمخملي لسياسات الاستيطان ومن باب رفع العتب. ولها علاقة ثالثاً بمستويات الأداء الفلسطيني في ظل الإنقسام الفلسطيني المُزمن منذ سنواتٍ طويلة. كما لها علاقة رابعاً بطغيان الخطاب الإعلامي اللفظي العربي المناهض لسياسات «إسرائيل» الاستيطانية دون مفاعيل جدية على الأرض في الضغط على «إسرائيل» وتحريك المجتمع الدولي لهذا الغرض. إن الدلائل الحسية والملموسة على ماذهبنا اليه أعلاه، تتضح الآن بصورة فاقعة، حين قررت حكومة نتانياهو، وبكل صلافة، وجسارة، وبكل تحدٍ للعرب ولعموم المجتمع الدولي، رفع منسوب التهويد والاستيطان، في أولِ ردِ فعلٍ لها على قمة البحر الميت العربية، التي أكدت التمسك بـ «تبني حل الدولتين»، والذي باركه الاتحاد الأوروبي، فقد قررت حكومة نتانياهو والمجلس الوزاري المُصغّر (الكابينيت) وباجماع الأصوات داخله، إقامة مستعمرة (عامونا) جديدة للمستوطنين الذين تمّ اخلاؤهم من (عامونا) القديمة بقرارٍ من المحكمة العليا «الإسرائيلية»، في منطقةٍ واقعةٍ على بعد عشرين كيلومتر جنوبي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة عام 1967. فقد أعلن بنيامين نتانياهو عن مصادرة نحو (900) دونم وتسجيلها كـ»أراض دولة» في قرى الساويه وقريوت واللبن شمال الضفة الغربية. إن الدلائل الحسية الإضافية بشأن التحولات المتسارعة في «إسرائيل» لجهة اتساع حضور قوى اليمين واليمين المتطرف، نلمسها أيضاً من خلال معطيات استطلاع للرأي في «إسرائيل» نُشِرَت نتائجه يوم الثلاثاء قبل الماضي، فقد أظهرت تلك النتائج تراجعاً في نسبة المؤيدين لمبدأ «الأرض مقابل السلام» في المجتمع «الإسرائيلي»، مقارنة باستطلاعات، أجريت في سنوات سابقة. وأوضح مركز «القدس للشؤون العامة والدولة» الذي يرأسه، دوري غولد، المدير العام السابق لوزارة الخارجية «الإسرائيلية»، أن نسبة المؤيدين لمبدأ «الأرض مقابل السلام» كأساس للتسوية السياسية مع الفلسطينيين وعموم العرب، هبطت إلى (36%)، مقارنة مع عام 2005، حيث بينت استطلاعات مشابهة عن تأييد حوالي (60%) من «الجمهور اليهودي» لهذا المبدأ. وأظهرت النتائج أن (80%) من المُستطلعة آراؤهم يرفضون التخلي عن السيادة «الإسرائيلية» على الحرم القدسي الشريف في أي تسويةٍ سياسيةٍ قادمةٍ، فيما عبّر (10%) عن استعدادهم للقبول بمثل هذه الخطوة. كما اعتبر (79%) أن «مدينة القدس يجب أن تبقى في وضعها الإداري الحالي كاملة في حدود دولة إسرائيل»، في أي تسوية سياسية. وبخصوص مستقبل غور الأردن، فقد عَبّرَ (81%) عن تمسكهم بالسيادة «الإسرائيلية» الكاملة عليه، واعتبر (60% ) أنه «لا يجوز الإعتماد على أي قوة دولية «تنتشر في المنطقة كبديل للسيادة الإسرائيلية». وعليه، إن حالة المجتمع «الإسرائيلي» تُقرر بأن هذا المجتمع غير جاهز البتة للقبول بتسوية سياسية عمادها قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، التي قَبِلَ بها الفلسطينيون والعرب بالرغم من اجحافها الكبير بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني على أرض وطنه التاريخي فلسطين. وبالتالي فإن الحديث عن جهد أميركي قادم للوصول إلى حلولٍ بين «إسرائيل» والفلسطينيين مسالة غير مُمكنة على ضوء الواقع الحالي في «إسرائيل» التي تعيش فصولاً من تَغَوّل وسطوة الإتجاهات اليمينية وخطابها اللإسلامي.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
07/04/2017
1601