+ A
A -
بدأ الاتراك خارج الجمهورية التركية التصويت على التعديلات المقترحة لثماني عشرة مادة في الدستور والتي أقرها البرلمان والمتعلقة بتحول نظام الحكم إلى رئاسي بدل النظام البرلماني الذي كان جوهر النظام السياسي منذ مطلع الستينيات من القرن العشرين. ورغم الانقلابات العسكرية المتكررة التي حدثت في تركيا منذ ذلك الوقت فإن التغييرات التي تمت كانت تركز على صلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء إلى غير ذلك من التغييرات التي أبقت المؤسسة السياسية المدنية هشة وغير قادرة على الوقوف أمام العسكر الذين كانوا يسيطرون على مقاليد الأمور في الحقيقة. فالتعديلات الجديدة تركز على تولي رئيس الجمهورية المسؤوليات التنفيذية وإلغاء منصب رئيس الوزراء ونقل صلاحياته إلى الرئيس الذي يجب عليه أن يختار نوابا له، كما تسمح التعديلات بمساءلة الرئيس بعد موافقة اغلبية البرلمان. بالطبع تم تغيير طريقة تعيين القضاة حيث ستتم من خلال البرلمان.
يعود النقاش حول التعديلات إلى العام 2011، حيث استشعر الحزب الحاكم ورئيسه رجب طيب اردوغان أن شكل نظام الحكم لا يتناسب مع الجغرافيا السياسية لتركيا ولا مع التحديات الداخلية والخارجية التي تفرض نفسه بسبب الحضور التركي في القارة الأوروبية وكذلك آسيا. وقد أخذت عملية التعديل وقتاً بالنظر إلى طبيعة المشهد السياسي التركي والعلاقات بين القوى السياسية، تلك القوى التي تفكر في تركيا بوصفها دولة علمانية وترى أن النظام الرئاسي قد يهدد هذا الأصل. من جهة أخرى فإن القوى العلمانية ترى في المشروع رغبة من الرئيس التركي وحزبه في القبض الكلي على مقاليد الأمور وتسيير تركيا في اتجاه سياسي نحو الأسلمة مستنداً إلى الرأي العام الكبير الداعم لحزب العدالة والتنمية.
بالطبع خيار تعديل الدستور جاء بعد الفشل في وضع دستور جديد. وقد نجح حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في العمل معاً وصولاً لتوافق على مسودة تعديلات في 10 ديسمبر 2016وقد تم إقرارها في البرلمان لتذهب للاستفتاء المباشر من قبل الناخبين في 16ابريل 2017الوصول إلى هذا الاتفاق ربما تأثر بتبعات الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016والذي أظهرت كل الأحزاب أن لا مكان للجيش في السياسة الا من خلال السياسيين.
المخالفون للتعديلات حاضرون في المشهد السياسي التركي ويتجاوزونه إلى القارة العجوز التي عبر الكثير من سياسيها عن قلقهم من التعديلات ويرونها تحول الديمقراطية التركية إلى دولة شمولية. في هذا السياق يتم التركيز على ما سيكون للرئيس من صلاحيات واسعة تجعله بعيد عن المساءلة. بالطبع التركيز فقط على الرئيس رجب طيب أردغان وانه اذا ما تجاوزت التعديلات مرحلة الاستفتاء ودخلت مرحلة التطبيق فإنها ستمكن أردوغان من البقاء في الحكم حتى العام 2029الامر الذي أجاب عليه أردوغان متهكماً: هل سيعيش أردوغان حتى العام 2029؟
ثمة سياق إقليمي دولي لمسألة التعديلات والاستفتاء وهو المرتبط من قلق بعض الدول الإقليمية من الدور السياسي لتركيا في المنطقة وكذلك قلق أوروبي من المنهج المستقل التركي في سياساتها بعيدا عن التنسيق من الاوروبيين. بالطبع تزايد هذا الامر بسبب تبعات الأزمة السورية وكذلك الحضور التركي الكبير في مختلف الدول الاوروبية. من هنا لوحظت الحملة الاوروبية في منع مسؤولين اتراك من مقابلة الاوروبيين المقيمين في بعض الدول الاوروبية لتشجيعهم للتصويت لصالج التعديلات الدستورية، والحديث هنا عن هولندا.
التصويت على التعديلات ستدخل تركيا إلى مرحلة مهمة من حيث عملية صناعة القرار السياسي الداخلي والخارجي، لكن هذا لا ينفى أن تركيا تواجه تحديات مع جيرانها الأوروبيين ومع إيران، وكذلك بوقوعها على حدود سوريا والعراق الذين تكاد الدولة فيهما ان تغيب تماماً.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
12/04/2017
3539