+ A
A -
يُحاول المبعوث الأميركي الجديد للمنطقة جيسون غرينبلات، إعادة إحياء الفكرة التي سَبَقَ وأن تَحَدَثَ الكثيرون عنها في الإدارة الأميركية السابقة، وهي فكرة السلام الاقتصادي ــ نعم السلام الاقتصادي ــ التي تنطلق من تقديرها لأهمية الجانب الاقتصادي والمعيشي في حياة الفلسطينيين في مناطق العام 1967 في القدس الشرقية والضفة الغربية، وقطاع غزة، كمدخل لتحريك ما يُسمى «العملية السياسية» بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، ولتمرير عملية التسوية، والخروج من نفقها المسدود منذ سنواتٍ طويلة.
إن الحديث بعناوين خادعة وبراقة عن مقولة «السلام الاقتصادي»، وعن الأموال والمشاريع التي ستساعد على «نغنغة» و«رخاء» الفلسطينيين بالضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، مناورة مدروسة، وكأن المسألة هي مسألة اقتصادية بحتة وليست قضية تحرر وطني لشعبٍ تحت الإحتلال، وقضية عودة لشعبٍ مازال أكثَرَ من نِصفِهِ مُشرداً خارج وطنه التاريخي في دياسبورا المنافي والشتات، وخصوصاً في دول الطوق المُحيطة بفلسطين (سوريا، لبنان، الأردن) والتي يقيم فوق أراضيها الغالبية الساحقة من لاجئي فلسطين عام 1948.
ومن المعلوم أن مقترحات ونظريات «السلام الاقتصادي»، سَبَقَ وان تم الحديث عنها و«التطبيل والتزمير»، والتَنظّير لها عشية توقيع اتفاق اوسلو الأول في حديقة البيت الأبيض في واشنطن في سبتمبر 1993، عندما تم الترويج لمقولة تحويل قطاع غزة إلى سنغافوره الشرق الأوسط، وتحويل الضفة الغربية إلى ماليزيا المنطقة، في أكاذيب وتُرهات ثَبُتَ بالملموس بأنها مشاريع وهمية و(مثيرة) للضحك على الفلسطينيين، وتقزيم ومسخ القضية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني بعد هذا المشوار الطويل والشلال المتواصل من الدماء والتضحيات التي عَبَدتّ مسار وطريق الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة في الداخل والشتات.
إذاً، لاجديد في الأمر، لكن وفي الوقت نفسه فإن تشديد المبعوث الأميركي جيسون غرينبلات على الجانب المتعلق بالاقتصاد، ورغم أنه يدعي أن ذلك ليس بديلاً عن «العملية السياسية ومحاولة التوصل إلى اتفاق سلام»، إلا أنه يُعيد إلى الأذهان تصريحات الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، بشأن انفتاحه على حلول أُخرى غير حل الدولتين، وهنا مكمن الخطر في الموقف الأميركي، فالانتقال من حل الدولتين إلى خيارات أُخرى سيكون هبوطاً أكثر فأكثر عن سقف الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، وبالتالي تقزيم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني إلى أبعد مدى مُمكن وفق المساعي «الإسرائيلية».
إن أكذوبة «السلام الاقتصادي»، فاقعة وصارخة، في ظل وجود سلطة فلسطينية تعاني الأزمات المالية المُتتالية حتى في دَفعِ مُستحقات ورواتب عموم العاملين في مؤسساتها الوطنية في الداخل الفلسطيني، وفي ظل اتفاق اقتصادي شديد الإجحاف، هو اتفاق باريس 1994 غير المتوازن الذي ربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد الإحتلال، واعطى لسلطات الاحتلال ميّزة الإمساك بأموال الضرائب المجباة عن البضائع المُتدفقة نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، تلك الأموال التي باتت رهينة وأداة ضغط بيد سلطات الإحتلال على الطرف الفلسطيني، توقفها متى تشاء وتفرج عنها في الوقت الذي تراه مناسباً لها.
وعليه، إن طريق التسوية الحقيقية، يَمُرُ عبر الزام الدولة «العبرية الصهيونية» بمستوجباته من خلال الضغوط الدولية الجدية عليها، لدفعها للقبول العملي بقرارات الشرعية الدولية، ووقف التنطح لها، بوقف عمليات التهويد والاستيطان. ودون ذلك فإن كُلِ الأفكارِ المطروحةِ لاتعدو سوى تمرير للوقت، ومنح دولة الإحتلال الفرص المتتالية لرفع منسوب عمليات التغيير الديمغرافي فوق الأرض الفلسطينية.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
14/04/2017
1982