+ A
A -
منذ التفجيرين الإجراميين لكنيستي مارجرجس والمرقسية بمصر، لا صوت يعلو في الفضائيات، على صوت إصلاح الخطاب الديني، وتحميل الأزهر الشريف مسؤولية الجريمة، حتى ليخيل للمتابع أن مرتكبي الجريمتين، هما من علماء المؤسسة الأزهرية، وأن التخطيط تم في صحن الجامع وبمباركة من شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء.
وبغض النظر عن تلك الحملة الشرسة التي يتعرض لها الأزهر، والواقفين خلفها وأهدافهم، خصوصاً في ظل ما سبق الجريمة من محاولات لتغيير قانون الأزهر، فإن سؤالين مهمين لابد من طرحهما في هذا الإطار؛ أولهما يتعلق بالخطاب الديني الذي أصبح متهماً وحيداً الآن بالمسؤولية عن العنف.. أي عنف؟!
فإذا كان الخطاب الديني، يعني ما يقدمه العلماء عبر منابر المساجد، وبرامج التليفزيون، ومناهج التربية والتعليم، فثمة حقائق لابد أن تؤخذ في الاعتبار في هذا الشأن، قبل إلقاء التهم، أو بالأصح تلفيقها.
هذه الحقائق تقول، إن وزارة الأوقاف تسيطر الآن على المساجد سيطرة كاملة.. ما يعني أن كلمة من خطيب جمعة، لا تصدر إلا تحت إشراف الدولة، عبر الخطبة الموحدة والمكتوبة، كما أن ضيوف البرامج الدينية في جميع الفضائيات يخضعون لفحص دقيق، سواء من قبل الأوقاف أو الأمن، ومن ثم فما يصدر عنهم لابد أنه تحت السيطرة.
أما مناهج التربية والتعليم فقد تم تعديلها وتغييرها، بل وحرق ما تحتويه مكتبات المدارس من كتب مرفوضة.
الحقيقة الأهم في هذا الصدد، أن التنظيمات التي تمارس جرائم العنف الآن لم تعد تنظيمات أيديولوجية، ولم يعد أعضاؤها والمنتسبون إليها يتلقون دروساً علمية ويتم إعدادهم فكرياً وفقهياً قبل الانخراط في العنف، كما كان يحدث من قبل الجماعة الإسلامية مثلاً، تلك التي تخلت تماماً عن العنف، بعدما صدرت عن قياداتها مراجعات فكرية وعلمية رصينة، نقضت من خلالها الأفكار السابقة.
تلك الحقائق تقودنا إلى السؤال عن الخطاب الدنيوي، وتحديداً السياسي منه، أو كما وصفه الكاتب والباحث عمرو الشوبكي، في مقال بجريدة المصري اليوم «الملف المحرم».
يقول الشوبكي: لن ننتصر في معركتنا ضد الإرهاب إلا لو فتحنا «الملف المحرم» في حربنا على الإرهاب، وهو الملف السياسي والدوافع السياسية التي تدفع الكثيرين إلى الانتقال من المعارضة السلمية (غير المسموح بها) إلى قنابل عنف، إن الخطر أكبر بكثير من الطريقة الإدارية والأمنية التي يتعامل بها الحكم مع ملف الإرهاب، وأكبر من قانون الطوارئ ومن المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، فهو لديه جذر رئيسي سياسي، بجانب الديني والتعليمي والثقافي، فعلينا أن نحل مشكلة الجذر الأول ونفتحه دون خوف، وندحض ما هو منحرف فيه ونصحح ما هو خطأ فينا قبل فوات الأوان.

بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
16/04/2017
3109