+ A
A -
من يستعرض فيلم «ذهب مع الريح _ GONE WITH THE WIN» أُنتِج في عام 1939، سوف يحتار في إيجاد السبب الحقيقي الذي حقق له كل هذا الخلود، والإنجاز. تلك الحيرة التي أصابت أيضا الناقد والمؤرخ أرثر شلسينجر عن سر هذا الحضور الذي لا يبهت لهذا الفيلم مع انه من الأفلام التي لا تعلق في ذاكرة الجمهور. لكن التاريخ، والأرقام، العنيدة، تُصر على أن هذا العمل يمتلك استحقاقا مؤكدا لنيل هذا المجد:» فاز الفيلم بِـ 8 جوائز أوسكار من بين 13 جائزة رشح لها، واختاره معهد الفيلم الأميركي ليكون الرابع في قائمة الأفلام الأميركية المائة الأفضل في القرن العشرين، واختير لحفظه في سجل الأفلام الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية حيث أعيد ترميمه بالكامل رقمياً، كما صوت للجملة الختامية في الفيلم: «بصراحة، يا عزيزتي، أنا لا آبه إطلاقاً» كأكثر جملة قابلية للتذكر في تاريخ السينما في استفتاء لمعهد الفيلم الأميركي في 2005، وحتى عام 2006 أصبح الفيلم ثاني أعلى الأفلام إيراداً في تاريخ السينما الأميركية». ما المميز والفريد في هذا الفيلم الطويل جدا، ثلاث ساعات ونصف، والذي استغرق تصويره أكثر من ثلاث سنوات، في حيرة طويلة حول كل خطواته الإنتاجية بداية من اختيار أبطاله، وصولا إلى تجاوز الإشكالات العنصرية التي تعج بها الرواية.
لنأخذ القصة من البداية، أولا الفيلم مقتبس عن رواية تحمل نفس الاسم، كتبتها الروائية الأميركية مارغريت ميتشيل (1900-1949)، التي لم تكتب من قبل– ولا من بعد- أي عمل روائي آخر، وكانت هذه الرواية هي العمل الوحيد لها. والغريب في الأمر أنها لم تكن تفكر في الكتابة من الأساس، حيث إن الملل فقط هو ما دفعها لكتابة هذا العمل الفريد، فعندما لم تجد أمرا آخر تفعله، في الفترة التي كانت فيها ملازمة للسرير نتيجة تعرضها لحادث، وبعد أن قرأت كل ما في المكتبة المنزلية بغرض التسلية، لم يتبق لها إلا أن تقرأ كتابا تكتبه بنفسها، هذا ما أقترحه عليها زوجها، وربما ساخرا من يدري، عندما سألته ما الذي عليها أن تقوم به الآن. ولأنها لا تعرف ما الذي يمكن لها كتابته، تطوع بتقديم هذه النصيحة العظيمة أيضا: اكتبي عما تعرفين!، وبالفعل شرعت في كتابة استمرت ست سنوات، وأنجزت في ما يقرب ألف صفحة، رواية لم تفارقها الشهرة منذ لحظة خروجها إلى النور، وبيع منها حال صدورها خمسون ألف نسخة يوميا، وبيع منها فقط في الستة أشهر الأولى لصدورها مليون نسخة، ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم لم ينافسها في عدد المبيعات في المجتمع القرائي الأميركي إلا رواية كوخ العم توم، ترجمت الرواية إلى ثلاثين لغة، وحصلت على جائزة بليتزر، وجائزة الكتاب الوطنية، كما أصدرت الحكومة الأميركية طابعا بريديا بمناسبة مرور ربع قرن على صدور الرواية.
المفارقة الغريبة، وهذا ما يزيد من الحيرة حول نجاحها ونجاح الفيلم الذي أخذ عنها، أن الرواية، كما يخبر عنها النقاد، ليست بذلك العمل الخارق، ومملوءة بالعيوب، تلك العيوب الناشئة عن الطبيعة الاجتماعية للمؤلفة، تفيض بالعنصرية، وبها صوت واضح ويمكن تمييزه لنسوية المؤلفة، لكن، وبمجرد التفكير في تحويل هذه الرواية إلى عمل سينمائي، لعب مشرط التجميل الهوليودي لعبته في هذه الرواية، تم التخلص من الشكل العنصري الصارخ في الرواية، للدرجة التي تمكنت معها هاتي مكدانيال التي جسدت دور الخادمة مامي في الفيلم أن تصبح أول أميركية من أصل أفريقي تفوز بجائزة أوسكار، ومع أنه تم نعتها لاحقا كونها وافقت أن تحصل على هذه الجائزة بأنها: «أنكل توم» وهو مصطلح يستخدم لوصف الأفارقة الأميركيين الذين يتذللون للبيض، ولا يدافعون عن حقوقهم المشروعة في مواجهة السلطة الأميركية البيضاء.
قام المخرج مع صانعي الفيلم الآخرين بكل ما وسعهم للتخفيف من المظاهر العنصرية في الرواية أثناء تحويلها إلى سيناريو للفيلم، تم التخلص من أي تمجيد للكو كلو كلان، كما تم حذف كلمة «NIGGER» المهينة، والتي تفيض بها الرواية، من سيناريو الفيلم.
مع كل هذا النقد، الذي وجه للرواية، وفيما بعد للفيلم، وبأنه فيلم مقتصر على زمانه، وبأنه فيلم بصورة رديئة وحوار عادي، وأنه لفيلم مصنوع بعين منتج وليس فنان، إلا أن الرواية، والفيلم، تسجل كأعمال خالدة، وكأيقونات أدبية وفنية لا يطالها الزمن، وهذا ما يعيدنا إلى حيرتنا في البداية: ما هو السر في خلود أعمال عند مراجعتها لا تُظهر تلك الجوانب التي تفسر مثل هذا الأمر؟!.. إنه السر الذي لن نعرفه أبدا.

بقلم : ضيف فهد
copy short url   نسخ
16/04/2017
4660