+ A
A -
منذ ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي شاع وصف الذئاب المنفردة، في إشارة إلى قيام فرد أو مجموعة صغيرة جدا بعمل إرهابي مسلح هنا أو هناك دون أن تربطهم علاقة مباشرة بالتنظيم. ولكن في ظل الفوضى الإعلامية والسياسية السائدة في وقتنا المعاصر خصوصا في منطقتنا العربية، وفي إطار ما أصبح يعرف بحروب الجيل الرابع حيث تدار الحروب بالأفكار والكلمات بدلا من السلاح، تداخل هذا الوصف إلى حد التطابق مع ما تشهده الساحة الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي من بعض الكتابات والتعليقات التي هدفها الترويع والتحريض وزرع الفتن.

تاريخيا بدأ تداول وصف الذئاب المنفردة من خلال بيانات تنظيم «داعش» الإرهابي كلما وقعت حادثة إرهابية في منطقة ما يعلن من قام بها ارتباطه الفكري وليس التنظيمي بهذا التنظيم كأن يحمل شيئا ما من الرموز الدالة عليه، وغالبا ما كان الفاعل فردا أو بضعة أفراد قد يكونون ثلاثة أو خمسة أفراد.. ولكن الوصف لم يعد قاصرا على «داعش»، حيث انسحب إلى أي فرد أو مجموعة تقوم بأعمال عدائية منفردة لأسباب عنصرية أو اجتماعية أو نفسية. وهناك عمليات من هذا النوع قام بها فرد أو بضعة أفراد ضد المسلمين مثلا سواء في الولايات المتحدة أو في بعض العواصم الغربية. وأليس من المنطقي إطلاق الوصف على المتطرفين الصهاينة؟.

الفوضى الإعلامية تساعد في إجلاء الغموض الذي ربما يظل يحيط بالقضية. وليس القارئ في حاجة للتدليل على الصلة الوثيقة بين انتشار الإرهاب والفرص التي يتيحها له الإعلام بحكم ما طرأ عليه من انفتاح وزوال للقيود وسرعة التواصل وتوفير المعلومات والمعارف الخاصة لتفعيل وتنفيذ العمليات الإرهابية. وهناك مواقع وصحف إلكترونية لداعش وغيره من الجماعات الإرهابية، فضلا عما وفره الإعلام المعاصر من إمكانات لنشر الفيديوهات ذات الأهمية البالغة في تعزيز الأعمال الإرهابية.

وإذا كانت الذئاب المنفردة قد خرجت من أحشاء الجماعات الإرهابية، فإنه من المنطقي بل والطبيعي أن يتم استنساخ الوصف داخل المنظومة الإعلامية بالنظر إلى المساحة الواسعة من الإمكانات التي تتيحها هذه المنظومة. فقط تختلف في مسألة الطابع المسلح لأنها تستخدم الكلمة والصورة بدلا من ذلك. وعمليا لا يخلو الإعلام (ليس كله بالتأكيد) من شواهد على هذا النوع من الذئاب. هو واضح إلى حد كبير من خلال شبكات التواصل الاجتماعي خصوصا تويتر حيث يحلو للبعض أن يغردوا في مناخ عام ملتهب بما يزيده التهابا. ويحلو للبعض الآخر أن يكتب على صفحات الفيس بوك ما يؤجج الفتنة. ويتبارى البعض الثالث عبر الفضائيات في أن يكون أكثر حدة من غيره عبر خطابات شعبوية تزيد المقسم انقساما. حتى الجماعات المعارضة بكل أطيافها باتت تعاني منهم وتتبرأ من تصرفاتهم.

هؤلاء لا يمثلون الإعلام العربي بكل تأكيد ولا يمثلون ألوان الطيف السياسي، وإنما يمثلون أنفسهم. النوع الأول أي الذئاب المنفردة الإرهابية متسق نظريا ومفيد عمليا بحسابات أصحابه وجماعاته لأنه تطور نوعي في أساليب الجماعات الإرهابية، ولكن الذئاب المنفردة على الصعيد الإعلامي غير متسقة نظريا ولا مفيدة عمليا بحسابات الإعلام العربي الذي يسعى جاهدا إلى لملمة الجراح والحفاظ على تماسك الأمة والنهوض بها من كبوتها.



بقلم : عبدالعاطي محمد

copy short url   نسخ
22/04/2016
2278