+ A
A -
كشفت الاحتجاجات الأخيرة التي تعرفها مدينة تطاوين في تونس والتي امتدت إلى مناطق مختلفة من البلاد عن مدى العجز الحكومي وقصوره في التعامل مع ما تقتضيه التطورات التي تعرفها الأوضاع الاجتماعية. وإذا كان من الطبيعي أن تشهد الدول جميعا احتجاجات شعبية على خلفية مطالب اجتماعية أو سياسية فإن الفارق يكمن دوما في مدى جاهزية السلطة السياسية القائمة في معالجة التطورات المفاجئة بحيث لا تفقد توازنها أو قدرتها على التعامل معها بصورة عقلانية وواعية. وإذا كان دأب الأنظمة الشمولية أن تتعامل مع مثل هذه التظاهرات بمنطق التعتيم واللامبالاة وربما تحميل قوى أجنبية مسؤولية ما يجري. فإنه في ظل نظام يتوفر فيه الأدنى من الديمقراطية من الصعب ممارسة التعمية على كل القطاعات الشعبية. وهنا يأتي السؤال عن طبيعة هذا العجز الذي تعانيه الطبقة السياسية التونسية وهل هو مجرد وضعية مؤقتة يمكن تبريرها أم هو تعبير عن خلل بنيوي كامن في النخبة السياسية والحزبية التونسية ذاتها؟ يمكن القول إن المشهد السياسي التونسي بعد الثورة قد شهد تطورات مهمة وأساسية لا يمكن نفيها سواء من حيث التعدد والتنوع أو من حيث وجود فسحة لا تُنكر تسمح بالحريات وحق التعبير وربما كان هذا احد أهم مكتسبات الثورة وهو مرتبط بالشارع السياسي والمجتمع المدني أكثر من ارتباطه بالنخبة الحزبية التي تعاني من جملة من المشكلات الأساسية التي يمكن اختصارها في النقاط التالية:
تكمن المشكلة الأولى في بنية الأحزاب السياسية التونسية ذاتها من حيث كونها تقوم على الولاءات والترضيات في تصعيد القيادات وعلى الموسمية في النشاطات وغيابها عن المشاغل الحقيقية للمواطن بالإضافة إلى أساليب التسيير الداخلي الغير ديمقراطية، ويمكن القول إن طريقة هذه الأحزاب في العمل داخلها يمكن إسقاطه في حالة وصولها إلى الحكم على أسلوب تسييرها لشؤون الدولة ومؤسساتها ونمط اختيارها للوزراء والمسؤولين وفي طرق تعاملها مع المواطنين.
ثانيا: قامت الخطابات السياسية للأحزاب في تونس على الديماغوجية ومغالطة الرأي العام وهو ما نلاحظه أثناء الحملات الانتخابية وهو ما يكتشف المواطن زيفه بعد وصول الأحزاب إلى الحكم فجميعنا يذكر حديث نداء تونس عن الإطارات ذات الكفاءة العالية التي يتوفر عليها والتي تقدر على إدارة أربع حكومات وليس حكومة واحدة.
ثالثا: ومن مشاكل العجز السياسي في تونس مشكلة عدم الاستقرار الوزاري حيث عرفت تونس منذ الثورة ثماني حكومات وبعضها لم يعمر في الحكم سوى أشهر قليلة. ويمكن تفسير هذه الظاهرة بعاملين أولهما عجز أي حزب عن تشكيل حكومة بمفرده مما يؤدي إلى قيام حكومات ائتلافية من عدد من الأحزاب ذات مصالح متنافرة مما يؤدي إلى كثير من التعقيدات في توزيع المسؤوليات وأحيانا في إقرار أشكال من الترضيات وهو ما يفضي إلى تصدع الحكومة ذاتها أو أن تتعرض الحكومة إلى ضغط مضاعف من المعارضة ومن المنظمات الاجتماعية الكبرى مثل اتحاد العمال تحت ذرائع مختلفة لا تراعي مصلحة الوطن بقدر ما تكون خدمة لمصالح حزبية ضيقة وهو ما جرى لحكومات الترويكا على سبيل المثال.
إن هذه الآفات التي تنخر الوضع السياسي التونسي كان لها انعكاسات خطيرة على المشهد العام بداية من تواصل سيطرة المصالح الاقتصادية الكبرى واستمرارية تهميش المناطق الداخلية التي تفتقر للتنمية، بالإضافة إلى ما أفضت إليه من اعتقاد الرأي العام بعدم جدوى الأحزاب وعدم فاعليتها بما يعني حالة من العزوف عن الفعل السياسي الذي يستأثر به البعض من المقربين من مواقع القرار أو بعض الناشطين من محترفي العمل السياسي من قيادات المعارضة ومن البرلمانيين. وهو ما يعني أن أي محاولة للنهوض بالبلد يقتضي بداية تجديد المشهد السياسي وظهور نخبة سياسية جديدة فاعلة، و على مستوى المسؤولية وقادرة على أن تكون من رجالات الدولة قبل أن تكون من ناشطي الأحزاب.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
18/04/2017
3035