+ A
A -
عاقبت الولايات المتحدة نـظام الأسد لأنه تجاوز «الخط الأحمر» وقصف خان شيخون بغاز السارين لكنها تمنح النـظام وروسيا «ضوء أخضر» لقصف مناطق المعارضة بالبراميل العشوائية والقـنابل العنـقودية والفسفور الحارق وكل المحرمات الدولية! وقد تجاوز القصف الروسي كل الحدود وأخر ذلك قصف عدد من المستـشفيات في ريف حماة وريف حلب وتدميرها وإخراجها عن الخدمة! سؤال كبـير: هل تـشابك القضايا على الأرض السورية المثـخنة بالدماء يتيح للقوى المتربصة بالشعب السوري «التـنسيق المر فوق الجراح السورية»؟
من المعروف أن الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط الجديد تصطدم بعوامل ومصّدات من دول أخرى قوية لها أهداف استراتيجية ومصالح حيوية على الأرض وتصطدم كذلك بمعوقات وتداخلات مع دول وكيانات إقليمية لها أدوار متداخلة وملفات شائكة! الاحتكاك الأكبر هو بين الرؤية الأميركية في سوريا من جهة واستراتيجية روسيا وإيران وحلفائهم من جهة أخرى! ورغم وضوح التـناقض الصارخ في بعض المواقف المعلنة بين هذين الطرفين إلا أن التـنسيق المستمر بـينهما يكون في بعض الأحيان أوضح من شمس الصحراء العربية الكبرى في رابعة النهار! تـذكرت «مذبحة رابعة» والتي من بعدها لم تـقم للعرب قائمة!
في ملف نـظام الأسد والأزمة السورية الممتدة تصطدم الرؤية الأميركية بعدد من المحاور المحرجة أولها وأهمها محور روسيا بوتين و»الخط الروسي الأحمر» حيث يصّر الروس على بقاء نـظام الأسد ولو كان الثمن فـناء الشعب السوري العظيم! رغم القصف الرمزي لمطار الشعيرات السوري في حمص إلا أن السياسي الأميركي يظهر وكأنه متـخبط عندما يقلب ملف العلاقة مع روسيا بوتين والربط بين الأزمات المتـنـقلة حيث يحاول لملمة الملفات الممتدة من سوريا إلى أوكرانيا إلى الصين إلى كوريا الشمالية إلى العلاقة المتأزمة مع الاتحاد الأوروبي والإرهاب والاقتصاد وأشياء أخرى ليس فيها الديمقراطية وحقوق الإنسان!
ثاني هذه المحاور التي تعيق الحركة الأميركية تأتي العلاقة مع إيران والنصوص الخفية من الاتـفاق النووي وما في جعبة هذا الاتـفاق من تـنسيق إيراني أميركي يشمل منطقة الهلال الخصيب كلها حيث تصّر أميركا على خطها الأحمر بعدم منح العرب السّنة مزايا سياسية إلا فـتات سياسي كوميدي لا يسر الناظرين كما يحدث في البرلمان العراقي! أميركا تصنع قيودها في الشرق الأوسط ثم تـتدخل ولا تعالج قضية أو أزمة وإنما تـزيدها خلطا وتعقيدا مثل خلط أزمة الشعب السوري الإنسانية بموضوع الفصائل الإسلامية وتسليحها! ليت العرب يفهمون!
مما يقيد الحركة الأميركية في الأزمة السورية الموضوع الذي تسميه واشنطن «الحرب على الإرهاب» خاصة الحرب على تـنظيم الدولة وغيره من الجماعات المصنـفة إرهابـية حتى لو لم يسجل عليها إطلاق رصاصة واحدة ضد الأميركيين! لا يستطيع الأميركان الحركة وهم يضعون أولوية الحرب على تنظيم الدولة والفصائل الإسلامية على الأزمة الإنسانية في سوريا! كما إنهم لا يستطيعون الحركة بعيدا عن الخطوط الروسية وخطوط نظام الأسد بسبب «الوعود الأميركية» ذاتها! ومن ذلك الوعد الأميركي بعدم التدخل الكبير في الحروب الإقليمية البعيدة بعد لدغة المثلث السّني في العراق! (الحاجة الأميركية) في سوريا والعراق هي التي تجعل الضوء الأميركي الأخضر يطغى قليلا على الخط الأميركي الأحمر ولتـذهب الشعارات إلى الجحيم! وما وراء الأكمة أدهى وأمر!
في الملف الكردي تصطدم الاستراتيجية الأميركية بالأتراك وفيهم ما فيهم من عناد وإصرار وحرص على تـقديم المصلحة القومية التركية على ما سواها من مكاسب مؤقـتة على الأرض أو في الساحة السياسية! ليت العرب يتعلمون! للأتراك خطوط حمراء لعل أهمها عدم قيام كيان كردي يهدد وجود الدولة التركية في ديار بني بكر وما حولها! الجـيش التركي وضع له قدما صلبة على الخريطة من جرابلس إلى الباب وتحاول السياسة التركية أن تمد الخطوة قليلا لكنها تصطدم بخطوط أميركية حمراء مرسومة بدقة حول مدينة منبج وما يقع شرق منها!
ورغم أهمية كل هذه الخطوط الحمراء والخضراء إلا أن خطوط إسرائيل الحمراء لها أهمية كبيرة في الوعي الأميركي الملوث، هذه هي المدللة! تعلن إسرائيل بوضوح عن خطين أحمرين: عدم المس بحالة الاستـقرار في الجولان، ونـقل أسلحة نوعية إلى حزب الله! ومن وقت إلى أخر تدلي إسرائيل بدلوها وتـقصف هنا وهناك في الأراضي السورية ولن يكون ذلك إلا بنوع من التـنسيق المر مع روسيا وإيران ونـظام الأسد نـفسه! لكن الغارة الإسرائيلية الأخيرة على تدمر جاءت مخـتلفة حيث شهدت أول رد فعل حقيقي من نظام الأسد بعد عقود من الصمت! اللعبة لم تـخـتلف (لعبة التـنسيق الخفي) لكن التمثيلية أصبحت مشوقة كما هي عادة أفلام الأكشن الأميركية!.
بقلم: د. صنهات بن بدر العتيبي
copy short url   نسخ
25/04/2017
3160