+ A
A -
منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي طوق نظام الأسد سوريا بسور أمني صارم، كان من إحدى نتائجه أن المكونات العديدة التي يتألف منها الشعب السوري عاشت في وهم التعايش السلمي والاجتماعي، ففي الوقت الذي كان النظام يفتت بنية المجتمع والمواطنة لصالح الهويات الصغيرة والضيقة، الدينية والمذهبية والعرقية والقبلية والعائلية، كان السوريون منقادين لفكرة أنهم شعب واحد مع اختلافاتهم الكثيرة، لهم نفس الانحيازات وهمومهم مشتركة، وولاؤهم، للوطن السوري، لم يكن يوما موضوع بحث أو خلاف، فالجميع متساوون في هذا الولاء الذي لم ينفر منه سوى قلة من السياسيين والمثقفين الذين قالوا (لا) في وجه النظام، ودفعوا سنوات طويلة من أعمارهم في السجون أو المنفى ثمنا لهذه الـ(لا)، هؤلاء عوملوا من قبل غالبية المجتمع السوري بوصفهم خونة وعملاء لإسرائيل، وهي التهمة التي كان النظام يروجها عنهم وعن كل من يعارضه علنا وسرا، غير أن هذا الغلاف الذي كان يغطي المجتمع السوري سرعان ما بدت ضحالته وهشاشته بعد الثورة السورية، إذ أخذت الانحيازات بعدا مذهبيا طائفيا من جهة، وبعدا إثنيا من جهة أخرى، وبدا المجتمع السوري لأول مرة مكشوفا وعاريا، وظهرت حقيقته التي عرف النظام كيف يخفيها لسنوات طويلة.
وحدهم أكراد الشمال السوري كانوا استثناء من هذا السياق، ففي الوقت الذي أتاح النظام لجميع الإثنيات بإظهار ثقافتها (اللغة والعادات والفنون والأعياد الخاصة) منع الكرد السوريين من هذا الحق منعا كاملا، وحرم قسما كبيرا منهم من الهوية السورية، ولم تكن لهم أية حقوق كأصحاب هوية أخرى. لوحقوا في مدنهم وقراهم، ومورس عليهم عسف لم يمارس على أي مكون آخر، ولم يكن العسف من قبل النظام وحده، بل كان أيضا من غالبية العرب السوريين، الذين نظروا إلى الكرد بوصفهم انفصاليين، يريدون اقتطاع قسم من سوريا لإقامة دولتهم، ورغم أن حلم الدولة الكردية كان يراود غالبية الكرد في سوريا والدول المحيطة بها، إلا أن قلة منهم في سوريا كانت تصرح بهذا، ومع ذلك لم يسلموا من نظرة المجتمع العربي إليهم بوصفهم نافرين عن السياق، هذا الواقع جعل من حالة المظلومية الكردية متنامية وواضحة، وتجلت أكثر ما تجلت بعد قيام الثورة السورية، وبالتحديد بعد عسكرة الثورة وفوضى التسليح التي أنتجت فصائل وكتائب وميليشات متناسلة من بعضها البعض، وفرضت ممولين وداعمين دوليين لهذه الفصائل، التي بدورها فرضت شروطها وإيديولجياتها على المناطق التي تسيطر عليها، هذا الوضع الداخلي، مع تصريحات دولية عديدة بأن التقسيم قد يكون هو الحل الأمثل، مع المشاكل الداخلية التي تعاني منها دول الجوار، مع التحالفات الدولية والمحلية المتعددة الأطراف، جعل الحديث عن فيدرالية كردية حديثا صريحا، ويتم تبنيه من قبل دول عديدة دعمت الفصائل الكردية المسلحة لمحاربة داعش والكتائب الإسلامية الأخرى، مما جعل الفصائل الكردية المسلحة تتقدم في العديد من المناطق المسيطر عليها من قبل داعش، وتحتلها وترفع فيها العلم، وهو مالا يرضي دولة مثل تركيا لها تاريخ عنفي طويل مع الكرد فبدأت بقصف المناطق التي يسيطر عليها مسلحو الكرد بشكل يومي وعنيف، مما جعل الكرد يطالبون بحظر جوي لحمايتهم من تركيا، التي يراها الكثير من سوريي الثورة حليفا استراتيجيا لا يجوز الاقتراب منه، الأمر الذي رفع حدة التوتر بين العرب والكرد السوريين، ليصل إلى حالة من التشنج العنصري لم يسبق للطرفين أن وصلا إليها.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
02/05/2017
3900