+ A
A -
وثيقة حركة حماس الجديدة، تطور ملموس أنضجته الخبرة الميدانية في معترك الحالة الفلسطينية وتعقيداتها، مع أنها لم تأتِ بالجديد الكلي- ونقول الكلي- وإن حَمَلَت عنوان الوثيقة الجديدة.
فـ «الوثيقة السياسية» إياها، لا تعني طلاقاً وافتراقاً عن جذور الحركة وأصولها ومنابتها، بل تَحمِلُ فكر الحركة وموروثها السياسي بالتمام والكمال، ولم تَمُسَ الخطوط الحمراء والثوابت التي تضمنها ميثاق الحركة الذي أصدرته عام 1988، بعد شهور قليلة من تأسيسها في 14 ديسمبر 1987.
الجديد في الأمر، وهو المُهم، أن الوثيقة، تأخذ بعين الاعتبار المُتغيرات الدولية والعربية، والتجربة السياسية التي خاضتها حركة حماس، وخصوصاً منذ مشاركتها بالانتخابات التشريعية في الضفة الغربية والقدس والقطاع عام 2006، وهو ما فَرَضَ عليها إعداد رؤية سياسية لا تنقلب، بل تتناسب مع متطلبات المرحلة.
وبوجه الدقة، والتحديد، إن الوثيقة السياسية الجديدة لحركة حماس، تلخيص، وتكثيف، وإعادة ترتيب وصياغة للأفكار والرؤى واشتقاقاتها، بلغة براغماتية وطنية، ومقبولة عند مُختلف الأطراف الدولية. كما هي محاولة على ما يبدو، لجسر الهوة مع أطرافٍ مؤثرة في المعادلة الفلسطينية، ونعني بها منظمة التحرير الفلسطينية التي تتبنى برنامج العمل الوطني من أجل دولة فلسطينية فوق الأرض المحتلة عام 1967 في سياق استراتيجية المراحل التي تبنتها واشتقتها المنظمة منذ العام 1974.
والمهم في الأمر كذلك، أن الوثيقة، تَحمِلُ مضامين سياسية واضحة، بعيداً عن المضامين الفكرية والأيديولوجية، وعبارات نفي أو إثبات تتعلق بالأيدولوجية الفكرية، وإنما ركزت على مواقف سياسية واضحة تجعل من حركة حماس حركة تحرر وطني لشعبٍ تحت الاحتلال.
وكما هو متوقع، فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، رحّبَت بالإعلان عن الوثيقة البرنامجية الجديدة لحركة حماس وما تضمنته من تطور براغماتي في رؤية الحركة من وجهة نظر تلك الفصائل، واعتقاداً منها أن وثيقة حماس بقالبها الجديد، تساعد على توسيع القاعدة المشتركة من التفاهمات الوطنية الفلسطينية، وبالتالي في جسر المصاعب التي تعترض إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية وتوسيع إطار منظمة التحرير بدخول حركتي حماس والجهاد لعضويتها، وبالتالي في توليد التوافق على رؤية استراتيجية فلسطينية موحدة في المرحلة الراهنة وأُفقها المنظور، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس على كامل الأراضي المحتلة منذ عام 1967، مع التمسك بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هجّروا منها.
هذا التطور يساعد على تبني وثيقة الأسرى لعام 2006، وبناء استراتيجية وطنية قادرة على حشد القوى كافة خلف مشروع المقاومة المتعددة الأشكال، ويوفّر إمكانية لتوسيع المساحات المشتركة بين الجميع في الساحة الفلسطينية، وخاصة القطبين الأساسيين: حركتي فتح وحماس. وانشاء قيادة وطنية موحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بما يفتح الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات الديمقراطية الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني.
إن الوثيقة الجديدة لحركة حماس، مؤشر على علامات المراجعة النقدية البناءة، وامتلاك ناصية الفضيلة في النقد الذاتي، فحركة حماس استبدلت على سبيل المثال جملة «محاربة اليهود» من النصوص القديمة، بعبارة (محاربة الاحتلال). وما تضمنته أيضاً من تأكيد على الطابع الإنساني الشامل للقضية الفلسطينية، وما أشارت اليه حول التمسك بمبادئ التعددية السياسية والممارسة الديمقراطية، والشراكة كأساس لتنظيم العلاقات البينية، الداخلية، الفلسطينية-الفلسطينية.
أخيراً، إن ردود الفعل المُتشددة، والعصبية لحكومة نتانياهو وعموم أركانها، بعد إعلان الوثيقة، تَدُّلُ على مدى رعب الحكومة «الإسرائيلية» المُتطرفة من انفتاح أُفُقِ جدي لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام في البيت الفلسطيني.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
05/05/2017
1937