+ A
A -
يتسم المشهد السياسي العام في تونس بحالة من الضبابية في ظل تحركات شعبية تشهدها مناطق تونسية مختلفة وعجز حكومي واضح عن إدارة المشكل الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، تقابله خطابات شديدة اللهجة من قوى المعارضة المختلفة بما يعبر عن رغبة في الاستفادة من حالة عدم التوازن التي تعرفها تونس على المستوى الحزبي. ويمكن فهم هذا التوجه من خلال ما ورد في الخطاب الافتتاحي للمؤتمر التأسيسي لحزب حراك تونس الإرادة الذي ألقاه المنصف المرزوقي رئيس الحزب ورئيس الجمهورية التونسية السابق حيث أعلن عن تضامنه الكامل مع الاحتجاجات السلمية، كما قدّم تحيته للشباب في تطاوين والكاف والقيروان وفي كل مكان ينتفض فيه الشعب لحقوقه. معتبرا أن هذه الاحتجاجات تعطي أروع الصور عن شعبنا الناضج الواعي، مؤكدا أنّ «الحكومة تطبق القانون على الفقراء والمهمّشين فقط». وقد تضمن الخطاب رسالة حادة إلى حكومة يوسف الشاهد عندما تعمّد المرزوقي تشبيهه بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي محذّرا إياه من مصير مشابه إذا اختار «اعتماد سياسة «بكلّ حزم» التي انتهجها بن علي مع المحتجين، والذي يعرف الجميع أين أدت بصاحبها»، وذلك في إشارة إلى قرار حكومة يوسف الشاهد بتطبيق القانون مع المحتجين.
ويمكن فهم الحدّة التي تحدث بها المرزوقي في خطابه وطريقة انتقاده للحكومة الحالية من جهة رغبته الواضحة في الاستفادة من حالة الاحتقان الاجتماعي وفقدان الحكومة إلى جزء مهم من سندها الشعبي غير أنها تظل في النهاية محاولة غير مضمونة بالنظر إلى تعقد الحالة الحزبية التونسية، فقوى المعارضة التي تحاول تجيير التحركات الشعبية لصالحها وتوظيف الغضب الشعبي لإحراز مكاسب انتخابية يكاد يكون الميسم العام للقوى السياسية المعارضة جميعا يستوي في ذلك تحالف «جبهة الإنقاذ» اليمينية أو «الجبهة الشعبية» اليسارية غير أن الجميع يدرك أن لا أحد يملك واقعا القدرة على حل المشكلات التي تجتاح الوضع العام في تونس بصورة جذرية مهما كانت الشعارات التي يرفعها أو الدعايات التي يدعيها.
وإذا كان من حق المعارضة أن تبدي انتقادها لطريقة إدارة الحكم التي تنتهجها الحكومة الحالية والأحزاب المتحالفة فإنه من ناحية ينبغي عليها أن تتجاوز منطق الخطابات التي تقوم على الاستثمار في الأزمة للانتقال إلى التحول إلى قوة اقتراح فعلية. ففي الدول الديمقراطية وحيث إن كل حزب معارض هو مشروع حزب حاكم وقادر أن يصل إلى السلطة في الانتخابات المقبلة ينبغي عليه أن يكون قادرا فعليا على إدارة الدولة ومطلعا على الملفات الأساسية المتعلقة بالاقتصاد والأمن والتنمية وليس مجرد تجمع انتخابي ينتهي دوره عند الوصول إلى السلطة وبعدها يصبح عاجزا عن التعامل مع الملفات الشائكة للدولة والمجتمع. وقد كان لجمهور الناخبين تجربة صعبة مع حزب نداء تونس الذي تمكن من تحشيد الناس من أجل إطاحة حكم الترويكا في انتخابات 2014 واستطاع الإمساك بالرئاسات الثلاث (رئاسة الدولة والحكومة ومجلس النواب) غير أنه فشل فعليا في اختبار الحكم وكشف عن عجز واضح في إدارة دواليب الدولة أو تقديم كفاءات قادرة على تصريف الأزمات وحل المشكلات. وإذا كان من الممكن تبرير هذه الحالة بحداثة التجربة الديمقراطية التونسية فإنه من الأكيد أن على القوى الحزبية سواء تلك التي في المعارضة أو المشاركة في الحكم أن تستفيد من تجربتها السياسية السابقة وتتخلى عن تسويق خطابات الأزمة والدفع نحو المجهول والمرور نحو مرحلة إيجاد البدائل ووضع البرامج الكفيلة بتحقيق التقدم والنهوض السياسي والاجتماعي في بلد أصبح ينظر إليه الكثيرون بوصفه نموذجا لنجاح الانتقال الديمقراطي في دول الربيع العربي ينبغي دعمه وإنجاح تجربته السياسية.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
09/05/2017
2971