+ A
A -
بقيام مجلس التعاون الخليجي في بداية ثمانينيات القرن الماضي، ظهرت على الساحة العربية منظمة إقليمية جديدة توقع كثيرون أن تنجح في تقديم نموذج لتكامل سياسي واقتصادي أكثر إلهاما وفاعلية من النموذج الذي تبنته جامعة الدول العربية. وقد حظيت هذه التوقعات المتفائلة باهتمام كبير وكان لها ما يبررها في البداية، لأسباب كثيرة منها: عمق الروابط بين شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، وتشابه نظم الحكم القائمة فيها، وتطابق أنظمة القيم والتقاليد الاجتماعية والثقافية السائدة، وتداخل وتشابك مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية إلى الدرجة التي يتعذر فصلها.
غير أن مسار التجربة التكاملية لدول مجلس التعاون الخليجي كشف عن وجود اختلالات بنيوية عديدة، ربما بسبب التباين الكبير في أحجام وأوزان الدول الأعضاء، ووجود رواسب تاريخية ناجمة عن صراعات وضغائن قبلية نجحت القوى الاستعمارية في تعميقها، وقد ألقت هذه الاختلالات البنيوية بظلالها السلبية على زخم العملية التكاملية الخليجية برمتها وحالت دون تقدمها بالسرعة الكافية، مقارنة بتجربة الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، وتسببت في اندلاع أزمات حادة بين الحين والآخر كادت تهدد وجود مجلس التعاون الخليجي نفسه.
ومع ذلك فلم يسبق لدول مجلس أن مرت بأزمة سياسية مماثلة للأزمة التي تمر بها حاليا، والتي نجمت عن قرار السعودية والإمارات والبحرين قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. صحيح أنه سبق لنفس الدول أن قامت بتصرف مشابه عام 2014، لكن الأمر تجاوز هذه المرة مسألة قطع العلاقات الدبلوماسية وشمل أمورا أخرى تمس المواطن الخليجي نفسه، منها حظر دخول السفن والطائرات القطرية للموانئ والمطارات، أو حتى استخدام المجال الجوي في العبور، وإغلاق الحدود البرية..الخ، وهو ما يشكل ضربة قوية لصميم العملية التكاملية الخليجية نفسها.
تنبع خطورة الأزمة الراهنة من تزامنها مع أزمات أخرى عديدة تضرب المنطقة العربية برمتها. فالحروب الأهلية تمسك بخناق العديد من دولها التي تحول بعضها إلى دول فاشلة معرضة للتفتت والتجزئة، وبقية الدول العربية تبدو مشغولة بأوضاعها الداخلية إلى الدرجة التي قد تحول دون تمكنها من التحرك لإطفاء الحرائق المشتعلة في أماكن أخرى، بل إن المنطقة العربية برمتها تحولت إلى ساحة كبيرة للصراع على النفوذ تشارك فيه قوى دولية وإقليمية لا تخفي أطماعها وتتأهب لوراثة رجل المنطقة المريض، وإسرائيل تتمادى في غيها وفي رفضها لكل مشروعات التسوية السياسية المقترحة، وتتوسع في بناء المستوطنات بوتيرة تؤدي عمليا إلى إلغاء حل الدولتين، وتبحث عن وسيلة تمكنها من تصفية القضية الفلسطينية نهائيا ومن تطبيع العلاقات في الوقت نفسه مع بقية الدول العربية، بحجة وجود خطر إيراني مشترك يجبرهما على التعاون معا لمواجهته.
الأخطر من ذلك أن النخب السياسية والفكرية في العالم العربي تبدو في هذا الزمن الصعب في حالة استقطاب خطر وتنشط في تبادل الاتهامات فيما بينها أكثر من انشغالها بالحث عن حلل لأزمات المنطقة، مما دفع العديد من الكتاب والمستقلين إلى التزام الصمت احتراما للنفس، تجنبا لاتهامات بالعمالة والخيانة والتربح، من هذا الجانب، أو بالكفر والإلحاد والخروج عن صحيح الدين من الجانب الآخر.
لا توجد مصلحة عربية أو خليجية في استمرار وتواصل هذا النزاع الذي لن يخرج منه أحد منتصرا بل سيخرج منه الجميع خاسرين. لذا آمل أن تتغلب عوامل الحكمة وأن تنجح الوساطة الكويتية في تهدئة ومحاصرة هذا النزاع تمهيدا لحله من جذوره، كما آمل أن تدخل على الخط وساطات جديدة، كالوساطة العمانية على سبيل المثال، لتقديم يد العون والمساعدة.
لا تنخدعوا بالتصريحات المعسولة الصادرة عن البيت الابيض أو عن بعض المسؤولين في بعض الدول، والتي يبدو من خطابها المعلن أنها تسعى للتهدئة، بينما خطابها المضمر يسعى لسكب المزيد من الزيت على النيران المشتعلة في كل جنبات المنطقة.
الحاجة ماسة إلى حوار خليجي يمهد لحوار عربي شامل ثم لحوار بين الدول العربية وكل من إيران وتركيا. متى ندرك أن إسرائيل كانت وما تزال وستظل هي مصدر التهديد الرئيسي للمنطقة؟
بقلم: حسن نافعة
copy short url   نسخ
08/06/2017
2600