+ A
A -
منذ اندلاع شرارة الربيع العربي كانت المواقف مختلفة إلى حد التضاد بين رؤية قطرية تراهن على الشعوب وترى أن من حق المواطن العربي أن يأخذ مصير بلده بيده ومن هنا كان دعمها لدول الربيع العربي ورغبتها في نجاح تجاربها السياسية الناشئة في مقابل التحفظ الذي أبدته الدول الأخرى المجاورة لها، والتي تجاوزت حدود الامتعاض مما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن لتتجاوزه نحو محاولة تقويض استقرار هذه الدول والدفع بها نحو خيارين كلاهما سيئ. أعني خياري العودة إلى مربع الاستبداد أو الوقوع في براثن الفوضى والإرهاب. وقد كان التوجه الإماراتي المعلن والرافض لكل تحول ديمقراطي في المنطقة العربية والمبني على رؤية أساسها الدفع نحو منطق الانقلاب كما جرى في مصر أو محاولة توتير الأوضاع ودفعها نحو التعفن كما هو حاصل في ليبيا وفي اليمن بشكل أوضح.
أما في تونس فمن الواضح أن الأجندات الإماراتية المختلفة قامت على محاولة استنساخ النموذج المصري غير أن المشهد التونسي لم يكن مطواعا بمعنى أن استمرارية وضع الحريات والعمل السياسي التعددي كان عائقا فعليا في منع أي محاولة للتحكم في مصير الوضع السياسي أو تسييره بشكل يلغي مكتسبات الثورة التونسية. فالإمارات التي امتنعت عن دعم تجربة الانتقال الديمقراطي التونسي ولم تقدم أدنى مساعدة فعلية للدولة التونسية واستعاضت عن ذلك بمحاولة إيجاد موطئ قدم عبر تجنيد بعض الوجوه الحزبية الفاشلة أو وسائل الإعلام الخاصة التي تمارس التشويه للثورة التونسية وتبث الدعايات وتحاول تغيير توجهات الرأي العام التونسي. وهو أمر كشفت التطورات الأخيرة انه ليس أمرا يسيرا. فإذا استثنينا أصحاب المصلحة المباشرة في علاقة بدولة الإمارات فإن توجهات الرأي العام التونسي في غالبها لا تميل إلى تأييد الخطوات الأخيرة التي اتخذها التحالف الإماراتي/ السعودي. فالصورة الذهنية التي يحملها المواطن التونسي عن الدولتين من الناحية السياسية ليست إيجابية تماما وإذا أضفنا إليها محاولة اتهام حركة المقاومة الإسلامية حماس بالإرهاب فإن هذا التصرف قد افقد التوجه الإماراتي السعودي الكثير من مصداقيته وتأثيره.
لقد كان السعي الإماراتي السعودي إلى تعميم الأزمة وتحويلها إلى مشكل دولي ومحاولة دغدغة مشاعر اللوبيات الصهيونية النافذة من خلال رفع شعار محاربة الإرهاب المفترض الذي ترعاه الدوحة إلا أن هذا التوجه لم يفلح في عزل قطر التي نجحت منذ سنوات في خلق نوع من الرأي العام المتعاطف معها في إطار ما يمكن تسميته بالدبلوماسية الشعبية مقابل الدبلوماسية الرسمية التي يعول عليها خصومها، ولأن الحسابات السياسية قد تفاجئ أصحابها بنتائج غير مرتقبة فإن صمود قطر وامتصاصها لقرار الحصار في مرحلة أولى ثم تحولها إلى مرحلة تفعيل علاقاتها الدولية الواسعة وضع الطرف المقابل في الزاوية وهو أمر تكشف عنه حالة الاضطراب وغياب وضوح الرؤية في تصريحات وزير الخارجية السعودي. ففي الفعل السياسي، الأهم من القرار هو أن يتوقع صاحب القرار ما الذي سيحصل لاحقا وكيف يمكن التعامل معه؟ غير أن الحلف الإماراتي السعودي قد تصور انهيارا سريعا لقطر وسعيها لطلب الصفح ولم يضع في الحساب قدرة صاحب القرار القطري على قلب المعادلة بل وإفقاد الخصم جملة نقاط القوة التي انطلق منها بداية من فكرة الحصار الاقتصادي السخيفة وانتهاء بتعرية السقوط الأخلاقي المدوي لدول كانت دوما تدعي حراسة القيم والدفاع عنها على الأقل علنيا. ومن هنا يمكن القول إن قرار عزل قطر كان فعلا سياسيا صبيانيا يفتقر إلى الحصافة وهو اقرب إلى ردود الأفعال غير المحسوبة منه إلى فعل سياسي واع ومسؤول.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
13/06/2017
2846