+ A
A -
يَدخُلُ الحصار الجائر والظالم، المُطبِق على قطاع غزة عامه الحادي عشر في شهر يونيو 2017 الجاري، حيث تَضُمُ مساحة القطاع المحدودة والمُقدرة بنحو 366 كيلو مترا مُربعا، قرابة مليوني مواطن فلسطيني، نسبة اللاجئين منهم من داخل المناطق المحتلة عام 1948 تصل إلى حدود 71 % من إجمال سكان ومواطني القطاع. ليصبح القطاع بذلك البقعة الأكثر سكاناً من حيث الكثافة على سطح المعمورة.
مأساة الحصار الظالم المُطبِق لقطاع غزة، تتواصل، وتتواصل معه المأساة الإنسانية الكبرى أمام سمع وأبصار العالم بأسره.
فكُلِ الجهود والمناشدات التي بُذلت طوال السنوات الماضية، فَشِلَت حتى الآن في دفعِ سلطاتِ الاحتلالِ لرفعِ حصارها الظالم على القطاع.
لقد تحوّل قطاع غزة عملياً لأكبر سجنٍ للبشر في الوقت الراهن، بما يُذكرنا بسياسات البانتوستنات ونظام الأبارتهايد الذي انهار في جنوب إفريقيا بعد أكثر من تسعين عاماً من سياسات الفصل العنصري التي مورست من قبل المُستعمِرين البيض الأوروبيين ضد شعب جنوب إفريقيا.
لقد سلطت الأمم المتحدة مراراً الضوء على عدم قانونية الحصار المُطبِق على قطاع غزة، باعتباره شكلاً من أشكالِ العقابِ الجماعي وفقاً للقانون الدولي، ودعت إلى رفعه فوراً في كل مرة، لكن سلطات الاحتلال مازالت تضرب بعرض الحائط بكل مناشدات الأسرة الدولية، بما فيها مناشدات الأمم المتحدة.
إن الحصار الظالم لقطاع غزة، أدّى عملياً لفرض القيود المُشددة على حركة الأفراد والبضائع من وإلى القطاع، إضافة إلى التوترات الأمنية والعسكرية، بعد وقوع ثلاث جولاتٍ من الحروبِ الدمويةِ الطاحنةِ التي شنها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» ضد القطاع خلال السنوات العشر الأخيرة. فضلاً عن الانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي، وتداعياته القاسية على القطاع وحياة الناس اليومية، وتسببه في اندلاع المزيد من الأزمات الطاحنة، ومنها أزمة الكهرباء الأخيرة، التي ساهمت بتعطيل العديد من مرافق الحياة، ومنها عمل المشافي على وجه الخصوص.
إن واقع الحال في قطاع غزة المُحاصر، كان سبباً مباشراً في الارتفاع المهول في أعداد البطالة والفقر الشديد وتراجع الأمن الغذائي، وسيادة الاكتئاب وفقدان الأمل والعزلة عند قطاعات الشباب الصاعد. فقد فاقت نسبة البطالة حدود الــ49 %، وتعتبر هذه النسبة من أعلى المعدلات في العالم، حيث يؤدي ارتفاع نسب البطالة إلى ازدياد حالة الضعف بين الناس فيما يخص مواجهة الصدمات الاقتصادية التي يتعرضوا لها، كما أنها تسلبهم فرصة توفير الإعالة لهم ولعائلاتهم مما يفقدهم الإحساس بالكرامة. كما تسبب الحصار في تكاليف إضافية على عاتق المنظمات الإنسانية التي تعمل في قطاع غزة، وتحديداً وكالة (أونروا)، في ظل تراجع التمويل الأممي المُخصص للتدخلات الإنسانية.
إن التدخلات «الإسرائيلية» اليومية، والتحكّم في واردات وكالة (أونروا) الحياتية للقطاع، والتي تتم عبر ميناء (أسدود) داخل فلسطين المحتلة عام 1948 وفق اشتراطات الاحتلال، أدّت لرفع مستوى تكاليف النقل والأعمال اللوجستية، وهو ما كلّف وكالة (أونروا) أموالاً إضافية كان من المُمكن أن يتم صرفها لتقديم المزيد من الخدمات لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في القطاع المُحاصر.
إن عملية الحصار «الإسرائيلي» المتواصل على القطاع وسياسات العقاب الجماعي، وخَنق مليوني مواطن فلسطيني، يجب أن تنتهي، فقد تَسبَبَ الحصار في خَلِق احتياجاتٍ إنسانية مزمنةٍ بين الفلسطينيين، وقد تؤدي تلك الأوضاع حال استمراها، واستمرار الاحتلال عموماً، إلى نتائج لا تحمد عقباها في انفجارات قادمة كما يعتقد الكثير من الكتاب والمحللين السياسيين «الإسرائيليين». فالضغط المتواصل سيولّد الانفجار اللاحق.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
16/06/2017
1865