+ A
A -
لاتزال الدول الشقيقة تفرض حصارها الجائر على قطر، في الشهر الفضيل الذي اعتاد فيه المسلمون عبر تاريخهم على مزيد من التواصل والتراحم والتكافل، ولقد استخدمت هذه الدول الشقيقة كل وسائلها، واستنفدت كل حيلها غير المشروعة لتركيع الشعب القطري، ولكن هيهات ثم هيهات، فقد أثبت هذا الشعب الأبي قوته، وعزمه وصموده في مواجهة هذه الإجراءات الجائرة لا تزيده إلا صلابة وتماسكا، كما أثبتت قيادته أنها قيادة استثنائية قادرة على إدارة الأزمات، ولديها رصيد وافر لطرح البدائل على وجه السرعة في مثل هذه الحالات غير المتوقعة من الأشقاء الذين فرضوا الحصار.
ولا تزال حملاتهم الإعلامية المسعورة ضد قطر سادرة في غيها ماضية في ضلالها، وتأتي وسائل إعلامهم بأناس، شروهم بثمن بخس ريالات أو دراهم معدودة، باعوا ضمائرهم وتنازلوا عن شرف المهنة، يطلقون على الواحد منهم زورا وبهتانا محللا سياسيا أو خبيرا استراتيجيا، تدفع لهم هذه الوسائل المبالغ لا لشيء إلا للتطاول على قطر، الواحد فيهم مثل آلة التليفون الموجودة داخل الكابينة المقامة على جانب أحد الشوارع أو على إحدى النواصي، عندما تضع لها الدرهم تدب فيها الحياة وتسري فيها الحرارة وتتكلم، وأما إذا منعت عنها الدرهم أصيبت بالسكتة الدماغية والقلبية واللسانية، وتأبى أو تعجز عن الكلام.
ولابد أن نعترف هنا أننا على قدر المسؤولية الإعلامية في الدفاع عن الوطن عندما يكون الخصم شريفا، ولكن لا نستطيع في كثير من الأحيان أن نجاري الحملة الإعلامية المسعورة التي تشنها علينا وسائل الإعلام في دول الحصار، ذلك لأن منظومة الأخلاق القطرية تفرض علينا الارتقاء بالحوار والترفع عن البذاءات.
ما علينا من هذا كله فلم يعد جديدا، لقد ألفناه وتعودنا عليه، وتعاملنا معه أفضل ما يكون التعامل، بل نحن ومعنا شعب الخليج كافة استطعنا إفشال أغراض وأهداف هذه الحملة الإعلامية المسعورة وكشف تلك الأقلام المأجورة الخبيثة، وتمكنَّا ومعنا الشعب الخليجي من أن نقلب السحر على الساحر، ومحاصرة حصارهم وتطويقه، ذلك أن هذا الشعب يرفض رفضا قاطعا العبث بنسيجه الاجتماعي، وبالتالي لم يفلح الحصار في منعه من زيارة قطر، فكل يوم نستقبل في قطر أشقاءنا من الدول الخليجية كافة.
ما أريد قوله في مقالي اليوم هو أن هذه الدول الشقيقة التي تفرض علينا حصارها الجائر استنفدت كل أوراق الضغط لفرض وصايتها أو هيمنتها علينا ولم توفر منها شيئا، في حين أننا والحمد لله في دولة قطر لم نستخدم بعد كل البدائل الممكنة لإبطال مفعول هذا الحصار، لأننا أصحاب حق وصاحب الحق دائما قوي، حتى في هذه الأزمنة التي تتبدل فيها المعايير، لكن علينا أن نعي الدروس جيدا من وقائع الأحداث، ونبدأ كشعب وحكومة التخطيط لمرحلة جديدة تقوم على إنجاز هدف سام ونبيل وهو القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من كل احتياجاتنا، وليس هذا فحسب بل وتحقيق فائض يتم تصديره إلى الخارج، وأول ما نبدأ به هو تعزيز ثقافة تفضيل المنتج المحلي القطري من الطعام والشراب والكساء وكل ما يلزم البيت العصري.
حب الوطن ليس شعارات نرددها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام فقط، ولكن يتطلب في المقام الأول ترجمة هذه الشعارات إلى واقع معاش، نريد من كل منا عندما يتوجه إلى المول التجاري أو الجمعية أو السوق عموما، أن يعقد النية على تفضيل المنتج المحلي، حتى لو كان أقل في الجودة نوعا ما أو أعلى في السعر بعض الشيء، وليؤمن كل منا أنه بتفضيل المنتج المحلي يقوم بعمل وطني جليل، لأن الوقوف مع الوطن في مثل هذه الحالات هو أسمى وأنبل ما يمكن أن يفعله المواطن، ففي النظريات الاقتصادية يكون دور المستهلك مهما وأساسيا في تشجيع ودعم المنتجات الوطنية من خلال الإقبال عليها، وخاصة عندما تكون مماثلة أو أعلى جودة من المنتجات المستوردة، ونحن على ثقة بأن المنتجات الوطنية سواء كانت الزراعية أو الصناعية أعلى جودة من نظيراتها.
ومثلما نطالب المستهلك القطري بدوره هذا نطالب كذلك المنتِج القطري سواء كان مزارعا أو صانعا أو حتى تاجرا بأن يكون له دوره المشهود في مثل هذه الحالات، كأن يصل في دقة وجودة منتجاته إلى غايتها، وينشط في عملية الترويج والتسويق عبر تنظيم المعارض والحملات الإعلانية وقوفا بجانب الوطن، ولا نظن مثل هذه القيم التجارية تغيب عن الجهات المسؤولة التي تهتم بمنح المستهلك مزايا خاصة تجذبه لشراء منتج بلاده.
لقد بات من الضروري أن يتم وضع خطة اقتصادية عملية وعلمية جادة تهدف إلى تفعيل وتطوير أداء القطاعات الاقتصادية الأخرى غير قطاعات النفط والغاز، المتمثلة بالزراعة والصناعة، والتوسع في قاعدة الصناعات الصغيرة، فهذه القاعدة قامت عليها اقتصاديات دول كبرى.
دولتنا أعطتنا الكثير وقيادتنا وفرت لنا أكثر مما نحتاج وجاء الوقت لنثبت أننا الأوفياء بتشجيع المنتج المحلي، ونحن كذلك إن شاء الله، وكما قال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه (قطر تستحق الأفضل من أبنائها) ودمتم.
بقلم : آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
19/06/2017
2549