+ A
A -
حين تقرأ كتب التراث والأساطير والحكايات الشعبية بل وسير الأولياء والصالحين تكتشف أن الراوي والمتلقي يتبنون الخرافة وغير المعقول كواقع لا يقبل النقاش وحقيقة لا تقبل التشكيك.. وهذا خطأ.

صحيح أن الإيمان بالمغيبات الدينية جزء من عقيدة المسلم «ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب» ولكن الإيمان بالغيبيات التي لا تستند إلى نص شرعي يشكل عقبة حقيقية أمام التطور العقلي والوعي المادي.

ولو دققت النظر في تراثنا العربي لاكتشفت انتفاء النص الشرعي عن معظم الادعاءات الخارقة والمبالغات الساذجة رغم محاولات وضعها في إطار من القدسية وشرعية النص.

فهناك مثلاً محاولة إلصاق الكرامات بكل ولي أو صالح بحجة أن الكرامة «جائزة عقلاً وواقعة نقلاً» وليست مستحيلة على قدرة الله تعالى.. ولكن المشكلة هنا ليست في «الكرامة» ذاتها، بل في محاولة كل من هب ودب لحشر من يريد تحت مظلتها (وهذا لا يُعد فقط استهتاراً بمفهوم الكرامة بل وخداعاً للمسلم العادي واستغلالاً لمسلماته الدينية لتسريب أفعال وأقوال من نتحدث عنهم كمرجع ديني أو شرعي).

من حقنا المطالبة بالكف عن ادعاء الكرامة أو العصمة لكل من لبس ثوب الولاية والصلاح.. فمن غير المعقول أن تطالب أبناء هذا الجيل بتصديق ادعاءات خارقة (توجد في كتب التاريخ والتراث أو تنسبها بعض الطوائف الدينية لأوليائها الصالحين) مثل الطيران في الهواء، أوالمشي على الماء، أوطي الأرض إكراماً لهم..

والأكثر خطورة أن تُلقى إدعاءات كهذه على العامة كحقائق دينية توازي في قوتها النصوص الشرعية «وسمعت بنفسي خطيبا يروى عن أحد الأولياء أنه اشتاق يوما للمسجد الحرام فأدخل رأسه في كم ثوبه فإذا هو يخرجه في حرم مكة».. خذ كمثال الفقية اليافعي الذي نسب إلى «رجل صالح» أنه كان يزور قبر والده ليتحدث معه ويطلب منه النصيحة كلما احتاج إليها.. وجاء في كتاب «روض الرياحين في حكايات الصالحين» حكايات كثيرة عن خوارق وكرامات عظيمة تخالف العقل والمنطق. أما أبو الربيع المالقي فروى عن نفسه: قيّض الله تعالى لي طيراً في بعض الأسفار يبيت يسامرني، فكنت أسمعه الليل كله ينطق يا قدوس يا قدوس، فإذا أصبح صفق بجناحيه وقال: سبحان الرزاق وطار.. ويقول الزاهد القشيري: كنا في سفينة فمات رجل صالح معنا فأخذنا في جهازه وأردنا أن نلقيه في البحر فصار البحر جافاً «وأكاد أجزم أن قلة من السامعين تساءلت: كيف بقيت السفينة طافية؟».. أما الشيخ يوسف النبهاني فيتحفنا في موسوعته «جامع كرامات الأولياء» بحكايات غريبة وأخبار عجيبة لاتصح عقلاً ولا نقلًا.

ويا ليت الأمر توقف عند العصور القديمة، حيث صدرت حديثاً عشرات الكتب التي تصب في ذات السياق مثل المسيح الدجال لسعيد أيوب، وكتاب هيرمجدون لأمين جمال الدين، والمهدي على الأبواب لعيسى داوود، وآيات الرحمن في جهاد الأفغان والذي بسببه ضحى آلاف الشباب بحياتهم في أفغانستان...

وقُل الشيء نفسه عن جميع الادعاءات العجيبة والقصص الخارقة التي نقرأها على النت ونتداولها عبر الجوال ولا نملك دليلاً يثبت وقوعها لا من الشرع ولا من الواقع ومع ذلك نتبنّاها كحقائق مسلم بها..

.. مرة أخرى أعود وأقول بأن هذه الادعاءات لو وضعت في إطار قصصي وأدبي غير ملزم لتفوقنا على بقية الشعوب في أدب الخيال والفنتازيا.. ولكن أن نخترعها - ثم نصدقها- ثم نستشهد بها فهذا (والله) نقص في الوعي وعيب في التفكير وسبب في تصنيفنا كأقل الأمم إنتاجاً وتصنيعاً.!!

.. وباختصار؛

الحقيقة والخرافة تتواجدان دائماً على كفتي ميزان فانظر - رحمك الله- في أي كفة تعيش...

فهد عامر الأحمدي

copy short url   نسخ
13/04/2016
1986