+ A
A -


نادراً ما كان المشهد في سوريا محيراً ومربكا أكثر مما هو عليه الآن. فواشنطن تعتمد على المقاتلين الأكراد الذين تصفهم أنقرة بالإرهابيين، علماً بأن تركيا هي إحدى دول حلف شمال الأطلسي الذي تقوده فعليا الولايات المتحدة.
وهي تتهم روسيا بالتواطؤ مع النظام السوري في الهجمات الكيميائية، ثم توجّه الضربات ضد قوات النظام السوري، لكنها تأمل في التعاون مع موسكو لمحاربة تنظيم «داعش»، هي ايضا تعلن ان طريق بغداد– دمشق الذي يمتد من طهران إلى البحر المتوسط خط احمر يمنع على إيران فتحه، لكن جيش النظام السوري والميليشيات الموالية لطهران في العراق وسوريا يندفعان من كلا جانبي الحدود المشتركة بين الدولتين ويتمكنان من فتح ثغرة فيها وممر على مرأى القوات الأميركية المنتشرة في منطقة التنف الجدودية والحدودية.
الرئيس ترامب أقفل قناة الحوار مع طهران وأطلق حلفاً واسعاً في الإقليم لمواجهة نفوذها وتمددها. لكنه لم يطلق خطة أو يقدم استراتيجية لتحقيق هذا الهدف. تماماً كما يتعامل مع حربه على الإرهاب. فهو على خطى الإدارة السابقة لا يملك خطة لما بعد «داعش». ولا يملك أجوبة عن مستقبل سوريا ومستقبل دور روسيا وإيران في هذا البلد. ما يستعجله هو إنجاز نصر في تحرير «عاصمة الخلافة». كما أن رئيس النظام السوري يريد تحرير الرقة لتوكيد «شرعيته» وأهليته في محاربة الإرهاب! مثلما ترغب حليفته إيران في المشاركة في هذا التحرير.
الرئيس الاميركي تعهد أن لا حروب جديدة في الشرق الأوسط. ومثله أعلن الكرملين قبل أيام أن الحرب في سوريا توقفت. وهو يستعجل مسارَي آستانة وجنيف لتأكيد هذا «التوقف». روسيا تجهد لوقف القتال بترسيخ فكرة «مناطق خفض التوتر». أي أن تنشر هي وتركيا جنوداً في منطقة إدلب، وتتولى وإيران مراقبة المناطق المحيطة بدمشق، وتراقب الولايات المتحدة والأردن المنطقة الجنوبية في درعا. بالطبع تبقى هذه الخريطة ناقصة. فالصراع هو على الرقة وعلى تركة «داعش» عموماً. علما ان احدا لا يضمن ان لا تظهر نسخة جديدة من «داعش» اذا شعر سكان هذه المناطق بانهم اخرجوا من سيطرة «داعش» الحالية للوقوع في شر «داعش» اخرى من لون طائفي أو عرقي اخر اشد ظلما.
ومن المؤكد أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي اتهم الرئيس السابق باراك أوباما بمسؤوليته في ظهور تنظيم «داعش» لن يرغب في رؤية هذا التنظيم يعود إلى الحياة خلال فترة رئاسته. وهكذا مع توقع سقوط الرقة، يظهر صراع جديد على ملء الفراغ الذي سيخلّفه هذا السقوط. صراع يدور بين النظام السوري وحلفائه الإيرانيين من جهة وقوات المعارضة السورية وحلفائها من جهة أخرى، وبالتبعية في شكل مباشر بين القوات الإيرانية والأميركية. وروسيا وطبعا إسرائيل. الصراع الحقيقي هو على مستقبل سوريا وموقع هذا البلد على الخريطة الاستراتيجية في المنطقة. إنه الصراع الذي يمنع القوى التي يُفترض أنها جميعها متضررة من وجود «داعش» من الاصطفاف في جبهة واحدة لمحاربته، وانصرافها إلى مواجهة بعضها البعض بدلاً من ذلك.
هذا الازدحام،أو بالأحرى التزاحم، في أرض سوريا وسمائها، يجعل من الصعب على اللاعبين الكبيرين، روسيا وأميركا، أن يقررا وحدهما مسار الأزمة. في ضوء هذه الوقائع، لا مجال للحديث عن تسوية في أستانا ولا في جنيف.
كان منطق المعارضة و«أصدقائها» في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، هو الرهان على إرغام الأسد ونظامه على تقديم تنازلات بعد إضعافه وتقليص مناطق نفوذه. فمن يستطيع اليوم دفع هذا النظام إلى التنازل؟ ألا يكفي ما تحقق له الآلتان العسكريتان لروسيا وإيران؟ ألا يكفي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بات لا يرى «أي بديل شرعي للنظام»، وأن رحيل الأسد لم يعد أولوية بل محاربة «داعش». سيبقى الحل إذاً رهن ميدان الحرب ونتائجها. من هنا لم يعد مآل الأزمة رهن تفاهم بين واشنطن وموسكو ينتظره الجميع. بل انه قد بات لكل ناحية في خريطة سوريا دينامية خاصة ومعقدة، من الشمال إلى الجنوب مروراً بالبادية والحدود الشرقية. لم تعد هناك قواعد ثابتة وعامة لإدارة اللعبة.
بقلم : امين قمورية
copy short url   نسخ
28/06/2017
2815