+ A
A -
المعروف أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما رفع عدد القوات الأميركية العاملة في أفغانستان في السنة الأولى لولايته من317 ألفا إلى 499 ألف عنصر. غير أن هذا لم يكن ضمن استراتيجية واضحة للقضاء على حركة طالبان وأتباعها، وإنما كان مجرد مسعى لتهيئة أوضاع تسمح بإيجاد تسوية محلية كي تقوم واشنطون بالانسحاب قبل أن تتكرر هزيمتها على النمط الفيتنامي.
وكان مسعاها هذا يعتمد على تشجيع حلفائها الافغان على إقامة جيش وشرطة وطنيين لحفظ الأمن والاستقرار وحماية الحكومة الشرعية، وذلك كبديل للخطط الأميركية السابقة حيال الوضع الأفغاني والتي تراوحت ما بين الاعتماد على المجاهدين الأفغان والقوات الباكستانية والاعتماد على قوات حليفة من شرق أوروبا.
لاحقا راح اوباما ينفذ تعهداته الانتخابية بسحب قواته من أفغانستان مثلما فعل في العراق، فراح يخفضها تدريجيا إلى أن بلغ عددها في نهاية ولايته الثانية 8400 عنصر فقط.
ومما لا شك فيه أن هذا التطور أعطى دفعة معنوية هائلة للطالبانيين وأنصارهم، وجعلهم يواصلون هجماتهم الإرهابية وقتالهم ضد الحكومة الشرعية في كابول، ويرفضون مبادرات السلام المتكررة وفكرة المشاركة في حكومة إئتلافية، ويتعلقون بأوهام العودة إلى السلطة، خصوصا مع تحقيقهم الانتصارات المتتالية ضد القوات الحكومية في الولايات الريفية، وقدرتهم على الوصول إلى المنشآت الحيوية والاسواق وتفجيرها وزرع الرعب في قلوب المواطنين.
ومما لا شك فيه أيضا أن هذه الضربات، التي جعلت حكومة كابول في نظر الكثيرين أضعف مما توقعوه، ضخمت غرور الطالبانيين وإيمانهم بحتمية عودة «إمارة أفغانستان الإسلامية» الإرهابية بدليل أن المتحدث باسمهم «ذبيح الله مجاهد» سارع، فور الإعلان عن فوز دونالد ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة الاميركية، بتوجيه رسالة مطولة إليه. ومما جاء فيها: «حان الوقت لتغادروا أفغانستان»، و«إن السلام سيكون بعيد المنال طالما تتواجد القوات الأجنبية على الأراضي الأفغانية». كما تطرقت الرسالة إلى تاريخ الأفغان في مقاومة ودحر كل الجيوش الغازية لبلدهم.
المعروف أن ترامب لم يعلن، منذ تنصيبه، عن أي استراتيجية لإدارته حول أفغانستان إلا مؤخرا حينما منح وزير دفاعه «جيم ماتيس» والبنتاغون سلطة تحديد حجم القوات الأميركية، أي على خلاف ما جرى في عهد أوباما حينما كان البيت الأبيض يتدخل في عملية تحديده راميا بعرض الحائط آراء جنرالات البنتاغون. فإذا ما عرفنا أن ماتيس من دعاة زيادة عدد الجنود الأميركيين في الخارج بهدف هزيمة أعداء بلاده المتطرفين(داعش والقاعدة تحديدا)، فإن المتوقع أن ينسحب ذلك على أفغانستان، خصوصا بعدما تسلل الدواعش إلى هناك عبر التحالف مع طالبانيين منشقين وباكستانيين متشددين. وفي هذا السياق تداولت وسائل إعلامية احتمال أن ترسل واشنطون إلى أفغانستان قريبا ما بين 3 إلى 5 آلاف جندي إضافي.
لكن هل تنجح هذه الزيادة البسيطة في هزيمة الطالبانيين وأتباعهم وهم الذين لم ينجح نحو نصف مليون جندي أميركي في القضاء عليهم في أوج الوجود الأميركي هناك سنة 2010؟ بل هل الحل يكمن في زيادة حجم القوات وحده؟
الإجابة هي بالنفي طبعا. فمآزق أفغانستان معقدة ومتداخلة وصعبة، ولا يمكن حلها في ليلة وضحاها. وأول الأمور المطلوبة من إدارة ترامب هو أن تدرس الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات الأميركية السابقة في هذا البلد، وتحاول معالجة الممكن منها وفق استراتيجية واضحة، تحدد فيها التحديات والأولويات والمدة الزمنية والموارد اللازمة مع الابتعاد عن الطروحات والمقاربات الغامضة. فمثلا إقامة نظام ديمقراطي على الطريقة الغربية في هذا البلد القبلي يجب ألا تكون له الأولوية، فيما الأولوية يجب أن تكون من نصيب: مكافحة الجهل والفقر والأمية والفساد؛ إنشاء جيش وشرطة وطنيين على أسس الولاء للدولة وحدها.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
02/07/2017
2535