+ A
A -
الغائب الحاضر في الأزمة الخليجية، كان مجلس التعاون الخليجي، كمؤسسة وأمانة عامة ومجلس أعلى، فحجم المواجهة والصراع الذي جرى ويجري، حقّق أفدح الخسائر في العلاقات الإنسانية والجوار العربي والقيم الإسلامية، وحرّض على إعادة إنتاج صراعات قبلية عاشتها المنطقة تحت مشيخات الخليج العربي، وفي جغرافية المنطقة، كان يُعتقد أنه تم تجاوز أصولها الجاهلية الواضحة، بعد الدولة القُطرية، فأُعلن تبنٍ مباشرٍ لصراع القبيلة وخصمها من دول رسمية، نقضت مفاهيم الأصول السياسية، والبروتوكولات الحتمية بين الدولة، والفضاء الصراعي الجاهلي.
وهي قضية لن تنتهي بنهاية الأزمة الخليجية، فحجم ما جمعه الأميركيون والأوروبيون، لاستخدام هذا الملف في أي نموذج للوصاية الدولية، سيُفرض على المنطقة أو أي جزء منها كبير جدا، كما هو ملف التطوع الذاتي بإعلان منطقة الخليج العربي، منطقة إمداد إرهابي عبر ملفات قدمتها أبوظبي وحلفاؤها، وأول من يتضرر منها حليفها الخليجي، وكيف ستُفعّل هذه الملفات، قد تحتاج لوقت خاصة في منطق جابي الجزية الأميركي، الذي أعطى الإذن لمشروع تأميم قطر لصفقة ترامب، بإسقاطها كغنيمة حرب يأخذ سهمها الأعلى.
فتعطّل هذا المشروع سيدفع ترامب، للتعويض مقابل ما يُلاقيه من أزمات داخلية وخارجية لرئاسته، إلى الاستفادة من مرحلة كسر الأزمة وسقوط خيار الاجتياح العسكري، الذي لن تُسقَط إعادة توظيفه من المشهد السياسي بسهولة.
وسيبقى ما صدر من التصريح والتلميح المكثف به، من ملفات المنطقة المرصودة، والتي سيعاد لها للتدليل على مطلبها الدولي بالوصاية، في ذات الوقت فإن مكاسب الجمهورية الإيرانية، لن يقف عند تعزيز تقدم مشروعها الطائفي التوسعي، ضد الوحدة الإسلامية والتعايش الإنساني.
وإنما يتعزز عند أوروبا وعند فريق مهم داخل الإدارة الأميركية، أن إيران مهما بلغت شيطنتها المنضبطة مع مصالح واشنطن، خصم عاقل مقابل الجاهليات العربية التي أوشكت أن تُرمّل وتقتل داخل غرف بيتها، بعد قطع مصادر الحياة عنها، هذا النموذج الذي يتم تداوله بكثافة في الغرب، إيران تحصد فواتير كبيرة منه، وتعزز بنيتها التحتية السياسية.
ويبقى هناك اعتراض مشروع جدا على هذا الطرح، ماذا عن المشروع الضخم الذي عمل له حلفاء ترامب في الخليج، واستلم منهم مقدم العقد، ورهانهم على استهداف إيران وتمزيق كيانها القومي، وأقاليم الاستقلال الحقوقي، عبر أعمال عسكرية مباشرة أو غير مباشرة، فنُجيب أن مساحة تحرك ترامب ستظل تراعي هذه الحصيلة الكبيرة لتطورات المنطقة، ومستقبل مشروعها الجيواستراتيجي، وعلاقته بدعم مشروع تل ابيب الكبير.
هنا مساحة التقدير تختلف بين ترامب وفريق الخارجية والدفاع الذي بدأ يستمع لهم أكثر، خاصة بعد فشل إذنه بالاجتياح العسكري لقطر، وما ظهر لواشنطن من تعقيدات ضخمة، ستكون دائرة التدويل فيها خارج سلطتها المركزية، وانتقال رسالة خذلان قاعدة العديد الأميركية لقطر، إلى باقي منطقة الخليج العربي، كمفهوم جديد يتعامل مع التواجد الأميركي القديم الضخم في الخليج، ووجود منافسين لواشنطن فيه من أوروبا إلى روسيا الجديدة.
هذه الحسابات الدقيقة لن تعبر بها واشنطن لحرب مركزية مع إيران، وكل ما يُطرح سيكون تحت حرب باردة في أقصى حد، وسقف عالٍ من الحرب النفسية مع تواجد بارجات البنتاغون الضخمة، وإعادة توزيع مشاة المارينز في الخليج العربي.
كل ذلك لن يهزم إيران، ولن يُحقق ما يُراهن عليه فريق بانون مستشار ترامب مع حلفاء الخليج العربي، وحتّى قضية استخدام علاقة حلفاء ترامب الجديدة في الإعلان الرسمي لمحاربتهم المقاومة الفلسطينية، والتحالف مع إسرائيل، وبالتالي سيساعدهم ذلك، في دفع ترامب للحرب، لن تقبل به الترويكا الأميركية التي تُدرك أن سحق غزة عبر الجيش المصري والإسرائيلي، في عملية تصفير المقاومة التي يدعمها المحور، لا يحتاج إلى حرب كبرى مع إيران، وإيران ستتعامل بعد سحق غزة بذات البربوغندا الإعلامية، وتُعيد صناعة نموذج مقاومة بديل لحماس موالٍ لها، عقائديا أو سياسيا من الجهاد الفلسطيني أو اليسار القومي الموالي للنظام السوري، وسيبقى هذا الملف بيد صناعتها الإعلامية.
في ذات الوقت، فإن مفاعيل الاتفاق النووي ووثيقته القانونية، لا تزال قائمة ولم تسقط بين طهران وواشنطن، بل إن تفعيلها تجارياً لا يزال مستمرا، وهنا ضلع آخر تتعامل به واشنطن مع طهران، وقضية الحرب والقطيعة التجارية تلعب دوراً مهما.
ولذلك استثنت دول المحور في قائمة التصعيد، التبادل التجاري الأقل لدى قطر من بقية مطالب التصعيد، فدبي تقوم عقيدتها السياسية على بقاء شريان التعامل التجاري مع إيران تحديدا، ولن تقبل حتى من إمارة ابوظبي، التي تفهم هذه المسألة، تفجير العلاقة الاقتصادية للإمارة التجارية، والذي يستفيد منه بقية اقتصاد الامارات.
هذه الشبكة من المصالح والحسابات، تُعطي دلالة على أن إيران باقية مع المشروع الأميركي والغربي الذي يحقق انعطافاته، وفتح المجال لشراكة جديدة مع طهران اضطرارية أو اختيارية، بعد أن هَدم المجلس الخليجي وحدته وقطع رابطته، ومهما طالت مدة التصعيد الجديد بعد 3 يوليو، فإن الحصيلة واحدة من حيث انقسام المجلس الخليجي.
بعد أن تبدأ حسابات قطر لصناعة المستقبل الجديد، بالتحرك الذاتي، وبالشراكة مع الكويت وعُمان، لعقد تفاهمات توازن العقل السياسي الجديد بعد نكسة حزيران الخليجية، والتي فتحت كل أبواب المخاطر على الخليج العربي، فيما الفريق الثاني الذي أشرك جمهورية مصر في البناء الخليجي الجديد لمحوره، سيحتاج أيضا إلى ترتيبات جديدة، تُعرّف من هو البيت الخليجي الذي يقصده بعد انفصاله عن قطر، وعزله أو عتبه على دولتين لن تشاركاه القطيعة.
هو مستقبل مفتوح بعد انتهاء قضية المواجهة الشرسة مع قطر، وتفرغ حلفاء المحور لعلاقاتهم الثنائية، إلى أين تتجه داخل المنطقة وداخل أقطارهم، وكيف ستصنع استراتيجية جديدة، خاصة بعد أن ينكشف واقع إيران الجديد، الذي لن يُغيّره ترامب.
في حين أعلن المحور، قطر والمقاومة الفلسطينية والإسلاميون السُنة أعداء، وتل أبيب حليف ضد الإرهاب، فكيف ستبنى العقيدة القومية لدول المحور، في الخليج العربي الجديد، الذي هُدمت فيه دعوات الإصلاح والحرية والأخلاق الإسلامية، واستَبدلت به قصائد التحريض والاستباحة الجاهلية.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
04/07/2017
3262