+ A
A -

- 1 -
أيام فقط، وسيتَّضح بجلاء إن كانت واشنطن جادَّة في وعودها، برفع العقوبات عن السودان، أم ستُعيد إنتاج لعبتها القديمة.. لعبة الطاولة المُتحرِّكة. وعودٌ أميركية على طاولة مُتحرِّكة، كلما أنجز السودان ما عليه ومدَّ يده لنَيْل ما وعدت به واشنطن، تتحرَّك الطاولة إلى الوراء.
القصة قديمة والمشاهد مُكرَّرة:
قبل سنوات، تلقَّت الخرطوم وعداً من الإدارة الأميركية برفع العقوبات الاقتصادية، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إذا قامت الخرطوم بالتوقيع على اتفاقية سلام مع المتمردين في الجنوب.
تم توقيع اتفاقية السلام في 2005، مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، في ضاحية نيفاشا بكينيا، ولم تُنفِّذْ واشنطن ما وعدت به.
- 2 -
قلبت واشنطن الصفحة، وطالبت الخرطوم بالتوقيع على اتفاق سلام مع المتمردين في دارفور، مقابل رفع العقوبات.
وقعت الخرطوم على اتفاق مع أقوى فصائل التمرد في دارفور، تم ذلك بالعاصمة النيجيرية أبوجا، بحضور دولي كثيف، تقدمه ممثل الولايات المتحدة الأميركية روبرت زوليك، ومع ذلك لم تفِ واشنطن بوعودها.
وعندما ألحَّت الخرطوم في المطالبة بتنفيذ الوعود المُعلَّقة، وأعربت عن غضبها واستيائها، رهنت واشنطن الأمر- للمرة الثالثة- بالتطبيق الكامل لاتفاقية نيفاشا!
- 3 -
وبعد الاستفتاء وانفصال الجنوب، تقدمت الخرطوم نحو الطاولة، فإذا بها تتحرَّك مرة أخرى إلى الوراء.
ارتفعت حواجب الدهشة إلى فوق مستوى التعجب.
المفارقة الدرامية المُحبطة:
فُصِلَ الجنوب، واشتعلت فيه الحروب، ولم يُسحَبْ الملفُّ من الطاولة، بل أُلزمت الخرطوم هذه المرة بالعمل على استقرار الدولة الجديدة!
- 4 -
قبل سنوات كتب دبلوماسيٌّ سودانيٌّ رفيع، وهو الدكتور بهاء الدين حنفي، مقالاً عن العلاقات الأميركية- السودانية قال فيه: (يبدو أن صمت السودان على سياسة العصا المُستدامة منذ البداية، جعل أميركا تتمادى في الضغط عليه.. فالصمت في التعامل مع القوة العظمى رضا في كل المذاهب). رؤية بهاء النقدية كانت قائمةً على أن الحكومة السودانية ظلَّتْ تتعامل مع الولايات المتحدة الأميركية بعيداً عن فقه التعاطي.
وفقهُ التعاطي في تعريف الدبلوماسي بهاء حنفي، يقوم على التنازلات المُتبادلة، وفق خريطة طريق تُحدِّدُ على وجه الدقة، ما لأطراف التفاوض من حقوق، وما عليها من واجبات، على طريقة (هات وخد).
من المؤكد أنه لن يكون هنالك تراجع عن رفع العقوبات والعودة إلى مربع المواجهة والعداء.
ستتحرك الطاولة مرة أخرى، إلى الوراء.
أغلب الظن أن واشنطن ستتحجَّج بإبداء بعض الملاحظات (حقوق الإنسان وتهريب البشر)، لتأخير رفع العقوبات عن الموعد المضروب في 13 يوليو.
أو ربما قامت بوضع شروط جديدة لتأجيل القرار لموعد لاحق وفق مهلة إضافية بقيد زمني آخر.
- 5 -
دونالد ترامب الرئيس المُتقلِّب الأطوار ارتبط بالأحداث غير السارة والقرارات الطائشة المُتجاوِزة لمنطق الأشياء ومعقوليتها.
بزيارة واحدة أشعل ترامب فتيل الفتنة بين دول الخليج، ورجع إلى واشنطن بمليارات الدولارات، على طريقة القرصان (مورجان).
كل مشاريع التسوية والتهدئة وإنهاء الصراعات التي ابتدرها سلفه باراك أوباما هي الآن عرضة للانتكاسات.
- 6 -
ترامب تراجع عن قرار رفع العقوبات عن كوبا، ووجَّه بتشديد القيود على سفر الأميركيين إليها، وعلى تعاملات الشركات الأميركية مع الجيش الكوبي.
ترامب تعهَّد بعدم رفع العقوبات عن نظام هافانا، إلى أن يحترم حقوق الإنسان ويُفرج عن المعتقلين السياسيين ويُجري انتخابات.
في حملته الانتخابية، وعد ترامب بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، الذي أمضاه سلفه أوباما في الأيام الأخيرة.
- 7 -
في هذه المرَّة الوضع على درجة كبيرة من الاختلاف مع المرَّات السابقة، في يد الخرطوم أكثر من كرت للضغط على واشنطن.
أول هذه الكروت إيقاف كل أوجه التعاون والتنسيق مع الأميركان في كل المجالات؛ بالإضافة إلى توسيع مجالات التعاون مع روسيا إلى المدى الذي يُقلِقُ الأميركان وغيرهم.
-أخيراً-
الخرطوم هذه المرَّة قادرة على منع عجلات الطاولة من الرجوع إلى الوراء، إما الإيفاء أو الإلغاء، ولا خيار ثالث.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
09/07/2017
4352