+ A
A -
عندما تم اتخاذ القرار بحصار قطر تصورت الدول الثلاث التي تقف خلفه ومن تابعهم من الأنظمة الفاشلة، أن دولة قطر حكومة وشعبا ستنهار وتستسلم وتطلب الرحمة من الذين حاصروها.. ولذا تصرفت هذه الأنظمة بصلف وغرور، وقدمت قائمة مطالبها التعجيزية الفاقدة لأدنى سند قانوني أو أخلاقي، مدفوعة بوهم امتلاكها لكل أوراق القدرة والقوة التي تجعلها قادرة على فرض خياراتها السياسية وإعادة تشكيل المشهد السياسي الداخلي في قطر.
ولأن هاجس «التفوق الوهمي» يمنع صاحبه من إدراك الحقائق على الأرض فقد كانت صدمة دول الحصار متناسبة مع حجم خيبتها وفشلها في التعامل مع أزمة افتعلتها وفشلت في التحكم في آثارها وارتداداتها.
ورغم أن الشعارات التي رفعتها دول الحصار ظلت تتراوح بين اتهام دولة قطر بالتعامل مع إيران ودعم الإرهاب وصولا إلى رغبتها المعلنة في إيقاف قناة الجزيرة وتوجهاتها الحرة فإن ما جرى بعدها شكل تعبيرا عن فشل الخيارات العدوانية التي اتخذتها دول الحصار.
فبعد المهلة التي أعلنتها لتنفيذ مطالبها كان من السهل التفطن إلى أن سقف المطالب العبثية التي قدمتها قد انهار فوق رؤوس أصحابه لأن نقاط الاتهام ذاتها التي حاولت من خلالها إدانة قطر وحشرها في الزاوية تحولت إلى نقاط قوة في تعامل الحكومة القطرية مع عبث جيرانها.
فقد تمكنت الدبلوماسية القطرية وبذكاء شديد من كشف الغطاء عن كل المغالطات التي استندت إليها دول الحصار لتبرير إجراءاتها العدوانية. فملف محاربة الإرهاب لم يكن أمرا مسكوتا عنه في السياسة الرسمية القطرية وكل الدول الكبرى تدرك مدى جدية مساهمتها في محاربة كافة أشكال الإرهاب والعدوان والاعتداء على حقوق الإنسان.
وهو أمر كشفت عنه تصريحات مسؤولي الخارجية في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.. بل وبادرت قطر إلى توقيع اتفاقيات مشتركة مع هذه الدول من اجل تنسيق العمل لمكافحة الإرهاب بعيدا عن كل أشكال المغالطة أو ممارسة التعمية الإعلامية ونشر الأكاذيب.
وأما قضية إغلاق قناة الجزيرة وتبرير الطلب بكونها تنشر أخبارا معادية فإن السحر قد انقلب على الساحر من خلال ما ظهر من تعاطف شعبي ودولي واسع مع القناة باعتبارها ضحية استهداف ممنهج من أنظمة استبدادية تسعى إلى تكميم الأفواه ومحاربة حرية التعبير.
فدول الحصار لم تدرك أن قناة الجزيرة ليست قناة رسمية بالمعنى المعتاد وإنما هي مؤسسة إعلامية رائدة استطاعت منذ ظهورها أن تحتل موقعا مؤثرا في الساحة الإعلامية الدولية بفضل مصداقيتها وشفافية تغطيتها للأحداث.
أما محاولة عزل قطر ومحاولة تصويرها كدولة خارجة عن السياق الدولي فقد أدت إلى عكس المنتظر منها وهو أمر يمكن استنتاجه بسهولة من خلال رفض القمة الإفريقية على سبيل المثال الانحياز إلى مطالب دول الحصار.. بل واستطاعت قطر أن تجلب إلى صفها مواقف داعمة من دول كبرى ومنظمات دولية وإقليمية مؤثرة تدرك جميعها مدى أهمية قطر وفاعليتها في المشهد الدولي.. وهي التي لعبت أدوار وساطة مهمة في أزمات دولية كثيرة وأسدت خدمات إنسانية واسعة على المستوى الشعبي في مناطق مختلفة من العالم.
ومع تجليات فشل الحصار وعجزه عن تغيير السياسات القطرية أو إجبار الشعب القطري على الاستجابة للمطالب العبثية التي حاولت هذه الأنظمة فرضها عليه، يمكن القول إن الأزمة قد بلغت مداها، ولم يعد لدى دول الحصار ما تفعله أكثر من التراشق الإعلامي وشن حملات التشويه عبر وسائل إعلامها الفاقدة للمصداقية.. وقد بدا واضحا على ملامح وزراء خارجية دول الحصار في اجتماعهم الأخير في القاهرة مدى الخيبة والفشل الذي صاحب مسعاهم لمحاصرة قطر وعزلها دوليا. وفي المقابل فقد فرضت قطر نفسها بوصفها فاعلا إقليميا ودوليا مهما عبر حكمة أميرها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكفاءة سياسييها وصلابة تحالفاتها وسلامة خياراتها وهي أمور تجلت مع الأزمة الحالية.. وعند الشدائد تُعرف معادن الرجال.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
18/07/2017
3139