+ A
A -
تكاد تتلف القلب الصور التي تم نشرها مؤخراً للسوريين المهجرين العائدين إلى منطقة الوعر في مدينة حمص السورية، فإذا ما حدقت في الصور قليلاً، سترى وجوه العائدين ومستقبليهم تتوه بين الفرح والدهشة وعدم التصديق والحزن الذي لا ينتهي، تلك الدهشة التي يحدثها الفرج بعد طول أمد اليأس، ويحدثها الفرح بعد سنوات من الحزن، ويحدثها الترقب من حصول ما يفسد كل ذلك، لكنها العودة إلى البيت، حتى لو كان مدمراً أو منهوباً أومحتلاً، العودة إلى رائحة تفاصيل الحياة الماضية، الحياة الأليفة التي لا يمكن لأي شيء أن يحل محلها.
هذه التفاصيل التي تملأ الذاكرة والحواس والمسام هي الوطن الذي لا يمكن لأحد العيش دون وجوده، وهو ما يعيه غالبية السوريين ممن اضطروا إلى النزوح تحت وطأة الموت أو الصفقات العديمة الرحمة، ممن سكنوا في المخيمات التي لم تلحق بهم سوى الذل، ممن تعرضوا لمختلف أنواع العنف والعنصرية والتنمر في أماكن نزوحهم.
هؤلاء أدركوا بالتجربة وبحدسهم الاجتماعي والإنساني البسيط، أن حجارة أمكنتهم الأولى ستكون أرحم بهم من حيث هم، في أمكنتهم الأولى ثمة أهل وجيران سيتقاسمون معهم الهم والحزن والقهر والدمع، كما قاسموهم سابقاً الألفة وخبز الجيرة وملح المودة، غير أن هذه العودة المحترمة لم تعجب على ما يبدو تجار الدم والموت ومريديهم ومرتزقتهم، إذ بدأ هؤلاء بحملات منظمة تشتم العائدين وتتهمهم بالخيانة والعمالة لنظام الأسد، كأن هؤلاء يسعون لإفراغ سوريا من ساكنيها، هؤلاء الذين يقيمون في دول المهجر واللجوء مع عوائلهم، لا ينقصهم أي شيء.
هؤلاء الذين مازالوا منذ خمس سنوات يتهمون النظام السوري بالعمل الدؤوب على التغيير الديموغرافي في سوريا، ومع ذلك لم يتوانوا عن وصف العائدين بالخونة! مع أن عودة المهجرين والنازحين واللاجئين يجب أن تكون هدفاً رئيسياً من أهداف كل من يدعي الانتماء للوطن الذي اسمه سوريا، ليس فقط لأن المهجرين تعرضوا لامتهان كراماتهم، كما لم يحصل مع أي شعب في العالم، بل لأنه من الواجب على جميع السوريين حالياً التفكير بآليات جديدة لتحقيق التغيير الذي دفع ثمنه مئات الآلاف من السوريين دون جدوى.
إذ بات من الضروري الاعتراف بفشل الآليات التي تم اعتمادها سابقاً، السلاح والأسلمة وإفراغ البلد، تلك الآليات التي اشتغلت مع النظام السوري جنباً إلى جنب للقضاء المبرم على كل ما يمت لثورة العدالة والديمقراطية بصلة، ومنطقياً لا تغيير حقيقياً يحدث من الخارج، التغيير الخارجي سينتهي باحتلال أو بالمزيد من الدمار، ثمة دروس سابقة في التاريخ البعيد والقريب على السوريين الانتباه لها، والتغيير الحقيقي يلزمه قوى داخلية فاعلة، وكتلة بشرية ضخمة، هذه الكتلة التي يمكن التعويل عليها تم الفتك بها وتهجيرها باكراً.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
18/07/2017
2631