+ A
A -
باتت جمهورية الصين الشعبية، ومنذ سنواتٍ طويلةٍ، تمتلكُ بنية تحتية واقتصادا صلبا يحميها من الهزاتِ العنيفةِ التي قد تَقَع. فالاقتصاد الصيني، وهو الثاني في اقتصاديات العالم، أصبح الآن قادراً على منافسة الدول الرأسمالية العتيقة بفعالية جيدة وبحدودٍ عالية، وقد انتقلت جمهورية الصين الشعبية من دولةٍ كان جُلَّ طموحها سنوات الاستقلال الأولى وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، تأمين وجبات الطعام اليومي المُحترم لكل مواطنٍ صيني، فأصبحت الآن من دول العالم المُصَدِّرَةِ حتى للمواد الغذائيةِ المُصنعَةِ وغير المُصنعَةِ (الطبيعية) كالفواكه.
وبالفعل، وكما أكّدت الوقائع، كان ومازال الاقتصاد الصيني الأقلُ تأثراً بالهزاتِ والخضاتِ التي تَعَرَضَ لها الاقتصاد العالمي خلال العقدين الماضيين، بما في ذلك الهزة العنيفة التي ضربت أسواق المال في (وول ستريت) عام 2007. حيث عمدت الدولة الصينية وفي جانبٍ من جوانب المعالجة، لمضاعفة الرواتب أثناء الأزمة المالية في أميركا وأوروبا، في خطوة لتجنب نتائج ركود الاقتصاد الذي يعتمد على التصدير.
إن جمهورية الصين الشعبية، وفي خطواتِ المنافسةِ مع الولايات المتحدة، عَمدت عملياً على إطلاق «نوع جديد من العولمة» التبادلية المفتوحة، في مواجهة ماتراه بــ«العولمة الابتلاعية» التي تريدها واشنطن لاكتساح اقتصاديات العالم وحتى ثقافات شعوب العالم. وتسعى كذلك لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، وحركة التجارة العالمية. وانطلاقاً من ذلك أقرّت بكين مخططاً بقيمة 150 مليار دولار لرفع كفاءة الصناعة والبحث العلمي والتقنية، بهدف منافسة الولايات المتحدة واليابان في المجال التقني، والدخول في أسواقٍ جديدةٍ، بواسطة مشروع طريق الحرير الجديد كطريق للعولمة التبادلية النفعية، والذي يَمتَدُ من الصين الشعبية إلى قارة أوروبا، ويمر عبر ستين بلداً في آسيا وافريقيا وأوروبا، وتقدر قيمة المشروع بنحو 1.3 تريليون دولار، وقد وقعت الصين اتفاقيات مع سبعين دولة (منها حلفاء واشنطن) للمشاركة في مشاريع الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وهو مشروع غير عسكري ويشمل الحزام الاقتصادي شبكة طرقات تجارية برية وحديدية وموانئ وخطوط أنابيب ومرافق للاتصالات ومراكز للطاقة وغيرها.
إن الصين الشعبية، وفي سياق المنافسة الحامية الوطيس مع الولايات المتحدة، تحاول بالسياسة والحوار، والدبلوماسية والمداهنة، تجنب الوصول إلى احتكاكاتٍ قاسية، أو تصعيدٍ عسكري، رغم محاولات واشنطن الدؤوبة لخنقها اقتصادياً وتجارياً، وحتى بالوسائل العسكرية، من خلال التأثير على ممراتها البحرية الحيوية، مثل مضيق «ملقا» بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي، حيث تَعبُرُ نسبة 80 % من النفط الخام والسلع نحو الصين، وتتركز نحو (60 %) من القوة البحرية الأميركية في آسيا قريباً من الصين الشعبية، وقد أنشأت قاعدة عملاقة في استراليا، وأَعادَتْ هيكلة قواعدها في كوريا الجنوبية واليابان.
الرد الصيني على التطويق العسكري الأميركي للصين عبر البحار في شرق وجنوب شرقي آسيا، يتجسد الآن بثلاثة مسارات: المسار الأول عبر طريق «العولمة التبادلية المفتوحة» المطروح من قبل بكين، فطريق «العولمة التبادلية المفتوحة» مُفيد وجذاب للبلدان المُجاورة، وحتى للبلدان التي يَمُرُ منها طريق الحرير الجديد، وهو ما يُفسّر العدد الكبير من الدول المُشاركة والمؤيدة.
والمسار الثاني، يتمثّل بقيام الصين من حين لآخر، برفع موجوداتها من العملات الصعبة، وبِبَيْعِ سندات الخزينة الأميركية التي تملكها، خوفًا من تكرار الممارسات الأميركية السابقة والمُتمثلة في الاستيلاء على أصول البلدان التي تملك أموالاً كبيرة في المصارف الأميركية، حيث تملك الصين الشعبية أصولاً في الخارج بقيمة 500 مليار دولار ويُمول «مصرف التنمية الصيني» و«مصرف الصين التوريد والتصدير» (بالإضافة إلى المصرف الآسيوي للاستثمار) مشاريع كبيرة في آسيا وإفريقيا، بفوائض وشروط جيدة.
والمسار الثالث، بتوطيد علاقات الصين الاقتصادية والتجارية والتبادلية عموماً، مع حلفائها في مجموعة بركس (روسيا + الهند + البرازيل + جنوب افريقيا) وحتى مع العديد من الدول الأوروبية، واصطفافها السياسي مع روسيا بصدد العديد من القضايا المُتفجرة والساخنة في العالم.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
21/07/2017
1676