+ A
A -
خطاب استثنائي ومتفرد بكل المعايير والمقاييس، من حيث ما احتواه من ثبات على الموقف، ومراعاة الأخلاق، ومن حيث عدد الفضائيات التي نقلته والملايين التي شهدته وقرأته، من يبحث عن الشجاعة والصلابة، والتصميم والإرادة يجدها في خطاب الثبات هذا، وإجمالا من يبحث عن معاني الاستقلالية والسيادة، ومعاني العزة والكرامة، وعن المروءة والشهامة، وعن الخصال الحميدة والآراء السديدة، وعن أجل الصفات النبيلة أعلاها شأنا وأعظمها قدرا يجدها جميعها في خطاب الثبات، فمهما نبدع من عبارات ونسطر من مقالات لن نستطيع أن نصف محتوى هذا الخطاب بما يستحق، فقد شدد على المبادئ السيادية، والثبات على المثل العليا، مع أننا في معرض التصدي لحملة ظالمة انتهكت كل الأعراف والأخلاقيات وانحدرت إلى المساس بالمحرمات.
لقد أبهر «تميم المجد» حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه العالم أجمع بما جاء به في خطاب الثبات الاستثنائي الذي نقلته أكثر من مائة وعشرين قناة تليفزيونية إلى أرجاء الدنيا، وتابعه وشاهده على الهواء مباشرة 156 مليون إنسان في الشرق الأوسط و91 مليونا خارج المنطقة بحسب مجلة دير شبيغل الألمانية، وهي أرقام فريدة لم نعهدها من قبل في خطاب لأي حاكم أو رئيس.
لن أسعى إلى تحليل الخطاب أو استعراضه، فقد تناوله المئات من المراقبين والمحللين بالشرح والتفصيل منذ اللحظة الأولى لإلقائه، وقرأه وأعاد قراءته الملايين في كل مكان، ولكن يكفيني أن ألقي الضوء على بعض المحطات التي رسمها سموه لمستقبل القطريين، فالمستقبل يجب أن يكون أهم ما يشغلنا الآن، أما بالنسبة للتعامل مع الواقع الراهن فقد نجحنا والحمد لله وأذهلنا العالم بنجاحنا ورقينا، وفي هذا الصدد قال أميرنا مخاطبا شعبه:
- أذهلتم العالم برقيكم رغم التحريض والمساس بالمحرمات.
- شعبنا جمع بين صلابة الموقف والشهامة.
- شعبنا وقف تلقائيا وبشكل طبيعي وعفوي دفاعا عن سيادة وطنه واستقلاله.
- أهنئكم على روح النبل والمحبة والألفة التي تسود في ربوعنا.
- أثبتنا أنه ثمة أصول ومبادئ وأعراف نراعيها حتى في زمن الخلاف والصراع.
كل عبارة من هذه العبارات بقدر ما كانت لدول الحصار موجعة وأكثر إيلاما نزلت علينا بردا وسلاما، وكل عبارة من هذه العبارات أيضا تعتبر بمثابة وسام غالٍ ونفيس على صدر كل قطري، بجانب الوسام الأغلى والأعز تميم المجد، وبمثابة منهج متكامل يدرَّس في أكبر الجامعات وأرقى الأكاديميات، التي تعنى بتدريس العلوم السياسية والدبلوماسية، والمعايير الحضارية والقيم الإنسانية.
الخطاب خريطة طريق واضحة المعالم لنا جميعا، نهتدي بها ونحن ندخل عالم المستقبل بخطى ثابتة وخطط واثقة، ورؤى ثاقبة، أول مبادئ وثوابت هذا الطريق عدم التفريط في السيادة والاستقلالية، ورفض الوصاية والإملاءات الاستفزازية، مهما بلغ من الأشقاء ما بلغ من حصار، ومن انتهاك لحق الجوار، قضيتنا الأولى هي العزة والكرامة، وصدق عنترة بن شداد إذ قال:
لا تَـسقِني مـاءَ الـحَياةِ بِذِلَّةٍ
بَـل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
وطالما نحن على قلب رجل واحد وقائدنا تميم المجد فلن نشرب إلا من كأس العز.
لا شك أن الرسالة قد وصلت إلى دول الحصار الشقيقة قطعا، لكن يبقى عليهم أن يفهموها جيدا، وأن يعوا أنه لا جدوى من حصارهم وإن ظل الدهر كله على الرغم مما فيه من ألم، وقد علمنا ديننا الحنيف أن الألم لا يكون من نصيب طرف دون الآخر، فقد خاطب القرآن الكريم المؤمنين قائلا: «إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون» لكن يكفينا أننا نألم من أجل الحق وهم يألمون من أجل الباطل.
من المحطات التي أريد أن أتوقف عندها في خطاب الثبات أيضا قول سمو الأمير حفظه الله ورعاه: «نحن بحاجة للاجتهاد والإبداع والتفكير المستقل والمبادرات البناءة والاهتمام بالتحصيل العلمي في الاختصاصات كافة، والاعتماد على النفس ومحاربة الكسل والاتكالية» هذه العبارات والتوجيهات السامية تصلح أن تكون دستور حياة لكل فرد منا، يخطها بأحرف من نور ويضعها في برواز نصب عينه في البيت والعمل، ويتخذ الخطوات الجادة لترجمتها إلى واقع حقيقي، حتى نكون عند حسن ظن سموه، فلا يكفي أن نبدي الإعجاب، ولكن لابد مع الإعجاب من الأخذ بالأسباب، لكي يرى سموه منا ما تقر به عينه، وما تستحقه قطر من أبنائها، كل منا عليه أن يبدع في مجال عمله ويبتكر، ويأخذ زمام المبادرة، ويتزود من العلم أنفعه، وينفض عن نفسه غبار الكسل والاتكالية، حتى نحافظ على المكتسبات التي حققناها وظهرت جلية في أزمة الحصار، وهذه الأمور كما قال سموه «ليست مجرد أماني وأحلام، فأهدافنا واقعية وعملية» ونحن بدورنا نعاهد سمو الأمير بذلك.
أود كذلك أن نتوقف لنتأمل قول أميرنا: «نحن مدعوون لفتح اقتصادنا للمبادرات والاستثمار بحيث ننتج غذاءنا ودواءنا وننوع مصادر دخلنا»، إذ تعتبر هذه الجملة كلمة السر لتحقيق الاستقلالية، وهي الحصن الحصين من أي مغامرة يقدم عليها الأشقاء مستقبلا، فلا نستبعد منهم تكرار هذا الإجراء البغيض، علينا أن نبدأ اليوم قبل غد الخطوات التي تمكننا من إنتاج غذائنا، فقد صدق القائل «من لم يكن غذاؤه من فأسه لن يكون قراره من رأسه».
وعلى الرغم مما حدث من الأشقاء وما ارتكبوه في حق قطر وشعبها أخطاء فإن سمو الأمير كقائد استثنائي يدعوهم للحفاظ على الكيان الخليجي الواحد بإبقاء الباب مفتوحا للحوار من أجل حل الأزمة مع التشديد على ضرورة مبدأين:
أولا- أن يكون الحل في إطار احترام سيادة كل دولة وإرادتها.
وثانيا- ألا يوضع في صيغة إملاءات من طرف على طرف، بل كتعهدات متبادلة والتزامات مشتركة ملزمة للجميع، ونحن جاهزون للحوار والتوصل إلى تسويات في القضايا الخلافية كافة في هذا الإطار.
الكرة الآن في ملعب دول الحصار الشقيقة، فموقف قطر أصبح أكثر وضوحا لهم، وعليهم أن يتعاملوا معه بإيجابية فقد كفى تشويه سمعة دول مجلس التعاون أمام العالم بهذا الأسلوب الانتقامي الذي تحملت تبعاته الشعوب. والله من وراء القصد

بقلم : آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
23/07/2017
5387